أبله وبلهاء !

بقلم: أبوبكر الصغير

ماذا يمكن أن يثمر زواج بين أبله وبلهاء؟

لا أعتقد أن النتيجة ستكون غير أطفال أكثر بلاهة ليشكل ذلك ” مكسبا ” آخر للبشرية جمعاء، بعد أن كثر عدد البلهاء ولم نعد نحصي إلاّ من هو أكثرهم تفننا وشدّة في البلاهة.

يذكرون، أنه عندما يرتكب الرجل بلاهة يقولون ما أشدّ بلاهته، وحين ترتكب المرأة بلاهة, يقولون: ما أشدّ بلاهة النّساء ؟ بما يوحي موقفا عدائيا تجاه المرأة حتى في توزيع كمية البلاهة.

خصّصت أشهر المجلات الأدبية الفرنسية ˜مغازين ليترير ” أحد أعدادها حول ˜البلاهة ” فهي لمن غاب عنه، فلسفة حياة بطمّ طميمها لا أدلّ على ذلك هذا المثل الشعبي الذي نردّده على الدوّام ويفيد ˜اعمل روحك مهبول تعيش “.. بلغة أخرى ˜اعمل اللّي اتحب وما اتخاف من أيّ شيء ” سوف لن يؤاخذك أحد باعتبار شهادة البلاهة الحاصل عليها.

تفيد منظمة الصحة العالمية ان نسبة الأمراض العصبية شهدت خلال العقود الأخيرة ارتفاعا مهولا في عدد المصابين بها.. أصبح المعدّل العالمي : 15 بالمائة من السّكان وتتفاوت هذه النسبة من مجتمع إلى آخر. هنالك مجتمعات تبلغ فيها هذه النسبة الثلاثين أو الأربعين في المائة على سبيل المثال لنتصوّر وضع أي مواطن اليوم يعيش هذه الكارثة الانسانية.

تنخفض هذه النسبة في مجتمعات أخرى لتكون دون المعدّل العالمي والطّريف ليست بالضرورة في المجتمعات المتقدمة.. بل بالعكس هنالك بلدان فقيرة محدودة الامكانات تعوّد مواطنوها على أنماط بسيطة من العيش والحياة، ما تزال لا تعرف أمراض العصر طريقا إليها لكن ما يفزع حقّا، هذا الرقم الجديد الذي يفيد ان أكثر الشعوب معاناة من مرض الاكتئاب هي الشعوب العربية حيث تفوق نسب المصابين به الأربعين بالمائة من عدد السكان.

انّ الاكتئاب مرض خطير هو الآخر قد يؤدي بالمصاب به إلى الجنون أو الانتحار، وفي أخف الحالات المرضية تكون نتيجته البلاهة، حتى الأدوية التي تستعمل في علاجه فهي ـ مهلكة ـ بشكل خطير لصحة الإنسان.

من حكمة ربّنا، ليس الانسان وحده عرضة لهذه الحالات من المرض حتى الحيوان هو الآخر يعيش ˜أزماته “.. كشف بحث حديث ان ˜البِغال ” تدفع بنفسها أحيانا إلى الانتحار من خلال السقوط من على شاهق جبلي.

تبيّن للباحثين ان الحالات التي رصدوها في هذا الجانب ليست حوادث بقدر ما هي ˜دافع اختياري ” اي عملية انتحار يبادر بها البغل نفسه.

شدّني تقرير اخباري أعدّته قناة تلفزيونية أمريكية وهي ˜بي بي اس أمريكا ” جاء عنوانه كالآتي :˜درجة واحدة فوق البلاهة تكفي للتجنيد في الجيش الأمريكي ” المقصود أساسا الجنود الأمريكيون الذين تدفع بهم إدارة بوش للحرب في العراق.

يستطلع التقرير آراء خبراء عسكريين في علم الاجتماع على غرار شارلس موسكوس من جامعة ˜نورث ويسترن ” وكذلك ما تضمنه أحد أشهر التحقيقات الميدانية التي أجرتها مجلة ˜ميليتاري تايمز “، ان أغلب العسكريين الأمريكيين الذين كانوا متواجدين بالعراق ينحدرون من مناطق نائية وفقيرة، أو من مدن صغيرة غير معروفة، أو أماكن لم يسمع بها سوى عدد قليل تغريهم الامتيازات التي تقدمها إدارة الجيش الأمريكي فيلتحقون بصفوفه.

صدم قادة الجيش بمستوى هؤلاء المجندين فاضطروا ـ وعلى حدّ تعبير أحد الخبراء ـ ويدعى لويلكرسون إلى اعتماد مقياس ˜درجة واحدة فوق البلاهة ” كشهادة قبول.

لا نستغرب بعد ذلك ما سمعناه عن هذه الفضائع التي ارتكبها بعض الجنود الأمريكيين والتي أضرّت بشكل كبير بصورة أمريكا نفسها وقبل ذلك جيشها الذي من باب الأمانة الصحفية يشهد له التاريخ بأدوار بطولية وإنسانية خاصة في الحرب العالمية الثانية عندما أنقذ العالم من طوفان الفاشية.

أرجو ألا يذهب في ظنّ البعض أنني أتحامل أو أقود حملة على البلاهة والبلهاء… بالعكس أحيانا أرى في هذه البلية راحتي من الإرهاق ومن الفهم والتعب ووجع القلب وأفضل وسيلة للتخلّص من حالة قد أجد نفسي فيها.