أين تتوقف شرعية صندوق الاقتراع؟

بقلم – مروان الغربي

محلل اقتصادي – مونتريال – كندا

تعيش تونس حاليا أحلك وأصعب الأيام من تاريخها الطويل والمتعدد، أهدرت الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2011 فرصا كثيرة وكبيرة للتنمية، أغرقت البلاد بالديون وهي اليوم على حافة الإفلاس، لقد وصلنا إلى نقطة خطرة، أصبح استمرارنا وبقاؤنا يتوقف على القرار الذي سيتخذ في أروقة صندوق النقد الدولي في واشنطن.

كانت تونس سنة 2007، الدولة التي حققت معدل نمو واعدا ب 7%، اعتبرها العديد من الاقتصاديين لفترة طويلة واحدة من بين أقوى الاقتصادات الأفريقية، هذه الدولة التي كانت في طريق “النمو والتعصير” تسابق الزمن في تطوّرها، أصبح مصيرها الآن،بين أيدي لجنة من بين مجموعة محللي صندوق النقد الدولي.

سيقوم الخبراء والمحللون بفحص البيانات الواردة من وزارة المالية التونسية، خلال الأشهر المقبلة وإصدار حكمهم من خلال فرض قرارات قاسية هذه المرة، قرارات موجعة لم يتخيلها التونسيون طيلة العشر سنوات الماضية، ولا حتى قبل ذلك. بالإضافة إلى كونه، حتى في صورة ما تقرر منح هذا القرض، فإن أجيالنا القادمة ستكون أولى ضحايا هذا الدين الضخم الذي سيتصاعد بصفة سريعة مع انخفاض قيمة الدينار وكل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تضطر فيها تونس إلى “التسول” بهذه الطريقة لدى المانحين الدوليين، لكن هذه المحاولة الأخيرة لا يمكن مقارنتها البتة بسابقاتها.

في سنوات ما بعد “الثورة”، على الرغم من كل الصراعات السياسية والصعوبات الداخلية، كان لدينا ممثلون متحدين تحت نفس الجبهة، عندما نفاوض في الخارج،كان رئيس الحكومة مدعوماً من قبل رئيس الجمهورية، وكان يمثل تقريبا الأغلبية التي تعطي وتبعث بصورة جيدة وشرعية وقوية خارج الحدود.

لكن هذه المرة، اصبحت البلاد منقسمة، يسودها الانشقاق لا على المستوى الاجتماعي فحسب بل الأخطر على مستوى الحكم، اي على مستوى مؤسسات الدولة نفسها.

رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي وقع انتخابه بحوالي 3 ملايين صوت هو في صراع مفتوح ومعلن مع رئيس الحكومة هشام المشيشي.بحيث إن الوضع سخيف وهو اقرب إلى الكوميديا منه إلى الواقع.

كيف تتحمل سفينة وهي تغرق وجود قبطانين لقيادتها في نفس الوقت ؟و يتصارعان عل رؤوس الملأ،لا يجتمعان، لا يتعاضدان،ولا حتى يتحاوران.؟

إنها وضعية سريالية حقيقة، كما أن “الربان “قيس سعيد الذي يظل إلى اليوم على رأس استطلاعات الرأي منذ انتخابه يواصل عرقلة وتعطيل عمل “الربان الآخر”: رئيس الحكومة، من وراء الكواليس لتشويهه وضرب مصداقيته في الداخل وفي الخارج.

تصريح الرئيس قيس سعيد الأخير على قناة “فرانس 24” المتزامن مع المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي: “المناخ السياسي غير صحي ولا يشجع على الاستثمار”. أكبر دليل على المراهقة السياسية الواضحة لرئيس الدولة.

حتى لو كان الرئيس يحظى بنسبة 100٪ من التأييد والدعم، يجب أن يحترم مؤسسات بلاده ويدافع عنها لدى المجموعة الدولية حتى في حالة وجود صراع داخلي.هذا ما ينص عليه ويدعو له دستور الجمهورية التونسية.

 بالتأكيد يتمتع قيس سعيد بشرعية صندوق الاقتراع. لكن هل من حقه استخدام هذه الشرعية لضرب صورة بلاده والنيل من سمعتها في فرنسا؟ هل من حقه تعطيل البلاد باسم النزاهة السياسية؟ انّ “الطريق إلى جهنم مفروش بحسن النوايا” !.

إن الوطنية تعني حب الوطن أي “رغبة وإرادة للتضحية من أجله”.

حب الوطن لا يمكن أن ينقلب إلى التضحية ببلادنا من أجل إرضاء غرورنا أو الدفاع عن بعض المبادئ الشخصية.