الارهاب في حضور..” ايلولا ” !.

بقلم: حذامي محجوب – رئيس التحرير

 ندين الجريمة، ونستنكرها، هذا هو الموقف الإنساني الصحيح. لكن، من دون أن تستبد بنا العاطفة والانحياز لقضية او موقف ما.

 نجاح الحج اليهودي الى كنيس الغريبة بجزيرة جربة التونسية كان دائما دليلا على تعايش الاديان بالبلاد وعلى انفتاح تونس وحرصها على التعدًد والتنوع والتسامح ،

 ما فتئت ارض قرطاج توجه رسالة الى العالم بانها ارض امان وسلام ومحبة وتسامح ياتيها السياح ، تستقطب المستثمرين.

 يعود تاريخ معبد الغريبة الى اكثر من 2500 سنة ، وهو ثاني اقدم المعابد اليهودية في العالم.

هذا الكنيس ليس فقط فضاء للعبادة والحج بل هو نقطة تجمع لواحدة من اقدم الجاليات اليهودية في العالم ، لان يهود جربة سكنوا الجزيرة قبل المسيحية والاسلام.

 حكاية معبد الغريبة تروي قصة التعايش السلمي بين يهود جزيرة جربة ومسلميها.

 يحتوي على الكثير من الاسرار والكنوز ، منها صخرة قديمة من هيكل سيدنا سليمان ،جاء بها اليهود من القدس منذ اكثر من الفي عام.

 في الغريبة كذلك ارشيف كبير يتضمن امنيات سجلها الزائرون واودعوا فيها رغباتهم واحلامهم – ما يطلق عليه ب – الوعدة-،

 هناك ارشيف شاهد على عصور عهود واجيال ، وعلى تطلعات اسر وعائلات وعشائر وقبائل.

 بمكتبة الكنيس توجد اقدم نسخة من التوراة في العالم حسب شهادة المؤرخين وهي محفوظة بمكان آمن.

 تعرض يهود جربة خلال فترات سياسية عبر التاريخ الى ضغوطات ومحاولات من قبل كبار الاحبار والحركة الصهيونية العالمية منذ سنة 1948 لاقناعهم وإغرائهم للانتقال الى ارض الميعاد ( اسرائيل ) ، ورغم ذلك اصرّ الالاف منهم على البقاء في بلدهم الام تونس ليعيشوا على ارض هذه الجزيرة الساحرة جربة ، تحديدا في الحارة الصغيرة لذلك غدت تعد نموذج التعايش السلمي بين اغلبية مسلمة واقلية يهودية ما يجمعهم اكثر مما يفرقهم.

 انّ تعلق اليهود بجربة يعود لمناخها وطيبة العيش فيها وما يسودها من امان ، انهم يعتقدون بقدسية الغريبة وقدرة التعبد في الكنيس على صنع العجائب ، اسم الغريبة له رمزية كبيرة ويحتوي على الكثير من الالغاز حسب الرواية اليهودية ، فقد بنيت على اجزاء المعبد الاول الذي شيده سيدنا سليمان والذي وقع هدمه سنة 586 ق.م.

تعود اليهود ذوو الاصول التونسية زيارة كل سنة تونس في ” ايلولا ” والحج الى جربة.

ياتون للصلاة واشعال الشموع وكتابة امانيهم على البيض وسط تعالي الزغاريد وترتيل الاناشيد الفلكلورية اليهودية والتضرع بالدعوات والتباريك بها قائلين ” ياغريبه احفظنا عرب ويهود !”.

 انها لحظة احتفالية وطقوس استعراضية في ما يسمى بخرجة ” المنارة” تعيش على وقعها الجزيرة كل عام منذ مئات السنين وفي مختلف انظمة الحكم المتعاقبة عبر التاريخ.

العرب واليهود تعايشوا طوال مئات السنين في جربة الى ان وقع استهداف الحجاج عن طريق عملية ارهابية تبنتها القاعدة في 11 افريل 2002 تمثلت في تفجير شاحنة تحمل قوارير الغاز على مقربة من الكنيس واسفرت عن موت 14 ضحية وجرح ما يزيد عن 30 شخصا.

 اليوم 9 ماي 2023 وبعد عقدين ونيف من الزمن استقبلت جربة تقريبا 5000 شخص ، احتضنت وفودا من الحجيج اليهود الذين جاؤوا من مختلف انحاء العالم للقيام بشعائرهم الدينية المتعلقة بهذه الزيارة الخاصة التي تاتي بعد 33 يوما من عيد الفصح حسب التقويم اليهودي.

 لتشهد الجزيرة في مساء اليوم الثاني من طقوس هذا الحج عملية ارهابية حيث اقدم حسب بيان وزارة الداخلية التونسية عون حرس بحري بأغير جربة على قتل زميله باستعمال سلاحه الفردي والاستيلاء على الذخيرة، ثمّ حاول الوُصُول إلى مُحيط معبد الغريبة وعمد إلى إطلاق النار بصفة عشوائيّة على الوحدات الأمنيّة المتمركزة بالمكان والتي تصدّت لهُ ومنعتهُ من الوصول إلى المعبد وأردتهُ قتيلا.

 أسفرت العمليّة عن إصابة 6 أعوان أمن بإصابات مُتفاوتة الخطورة توفّي أحدُهم، كما توفّي اثنان من الزوّار وأصيب اربعة أشخاص آخرين بجُرُوح مُتفاوتة تمّ نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج.

 القائد يجب أن يكون خشناً كفاية كى يحارب، رقيقاً كفاية لكى يبكى، إنسانياً كفاية لكى يرتكب الأخطاء، متواضعاً كفاية لكى يعترف بها، قوياً كفاية لكى يمتص الألم، مرناً كفاية لكي يتقدم.

 رحم الله شهداءنا وموتانا ، انهم يتساقطون على جانبي الطريق؛ لأنّ سياسيينا الفاشلين يسيرون وسطها.

 أحيانًا الصمت، أجمل كلمات كلّ قواميس العالم.