الافتتاحية بقلم رئيس التحرير، حذام محجوب: كل امرئ، بصنيعه.!

يقال عادة: “إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل ، فضع في يده سلطة ثم أنظر كيف يتصرف”.

صحيح أن السياسة لا تقوم على الأخلاق، لكن تشترط حدّا أدنى من القيم و الأخلاق كم نحن في اشد الحاجة اليها اليوم بعد عروض السيرك هذه التي اصبحت تحدث في عالم السياسة على مراى ومسمع من الجميع.

سفالة و رداءة ،ذلك عنوان سقوط الكثير من الطبقة السياسية! الكل يحتمي بالحصانة ويتكلم باسم حرية التعبير…!. ترذيل للحياة السياسية وزرع للحقد والتأليب بلغ اقصاه حتى انك تتساءل لصالح من يقع كل هذا؟

هل هو خدمة لمشروع تفكيك الدولة لصالح الفوضى؟ الاغرب ، انك حين تكون في مكان عملك أو جالسا في مقهى أو مارّا من السوق، حتى وأنت في جلسة عائلية فإنك لن تسمع إلاّ شعورا بالتذمّر و الشكوى، أمّا إذا تابعت وسائل الاعلام كالإذاعة والقنوات التلفزيونية، وجلت في عالم “السوشيال ميديا” التواصل الاجتماعي ستصاب بحالة هلع وإحباط لكثرة السّب والشتم مع انعدام تام لفكرة الاصلاح و البناء والتشييد لكل ما من شأنه أن يخرج بالبلاد من هذه المستنقعات التي أغرقها فيها هواة السياسة وعديمي الكفاءة وبائعي الاوطان.

الكل غاضب. حاقد ، إنها معركة الكلّ ضدّ الكلّ، حرب جماعية… لاتبق ولاتذر… الكل متفق تقريبا على أن الذين يحكموننا لا يخدمون سوى مصالحهم الضيّقة ، لا يهتمّون بالشان العام و لا يخدمون مصالح الناس، وأن معركتهم الفعلية ليست الدفاع عن قضايا التنمية و التربية و الصحة ولامكانة البلاد في العالم.

انها معركة كراسي و مواقع ومناصب واستحقاقات انتخابية. من جانب آخر تجد أن معظم المرافق العمومية معطّلة ،لا تعمل بصفة طبيعية بسبب الغضب ومناخ عدم الثقة الذي تفشّى بين السياسيين و في علاقتهم بالشعب، حتى أن الفساد اصبح متفشّيا في كل القطاعات تقريبا.

بل أكثر من ذلك فقد أصبح من يدّعي التديّن فاسدا ومن يدّعي محاربة الفساد فاسدا متستّرا على الفساد ، ومن يتذمّر من حالة الفساد مشبوها فيه الى ان ياتي ما يخالف ذلك .. هذا بلا شك امر يسارع في خراب الدولة واحتقان المجتمع و تدهور حال العباد ويدفع الجميع إلى الهاوية بتقاعسه وتحطيمه للأسس التي قامت عليها الدول .

فمن إذن يصنع و يؤسّس و يساهم في انتشار الفساد الأخلاقي والسياسي؟ يمكن ان اقول انّه في خضمّ هذا البؤس الأخلاقي لمن يدّعي احتكار الدين والتشدق بالاخلاق لممارسة السياسة ، ان المسألة الأخلاقية ، ليست مسألة مِؤسّساتية . فالتربية هي مسألة ذاتية بمعنى أن الذي لا يتلقى تربية وتكوينا في صغره و طفولته و من يترعرع على الحقد والكراهية لا يمكن ان يصلح بمجرد دراسة بعض من فصول القانون او الخطب الدينية والايديولوجية لان من يكون رجل قانون يفترض ان يبدأ بتطهير نفسه ،او على الاقل تهذيبها في علاقته بغيره وبالمجتمع ،بالتالي لا بد ان يبدأ بنفسه قبل ان يدعي الوصاية على الجماعة وتغيير المجتمع .

ففي المحصّلة اي مجتمع يمكن ان يبنيه سياسي يتلفظ بالفاظ هجينة؟ واي مجتمع يمأسسه سياسي يباع ويشترى في بورصة الصفقات ؟، واي مشروع يمكن ان يدافع عنه ويقنع به سياسي يجسد الانتهازية خدمة لمصالحه الخاصة ؟ واي برنامج سياسي يريد تنفيذه من يكون للانحطاط الاخلاقي نموذجا؟ لقد نطق عنترة بن شداد حكمة منذ الاف السنين ” لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب: ولا ينال العلا من طبعه الغضب”. فالسياسة أخلاق ، ولكن كذلك إدارة الشأن العام تتطلب حدّا أدنى من الانضباط و الالتزام بمبادئ و قيم لا تستقيم حاله بدونها .

اي مغزى و معنى أن تكون هنالك هيئات : مثل ” هيئة لمكافحة الفساد” ، و”هيئة للحقيقة والكرامة” وغيرهما من اسماء الاضداد ، إذا كان القائمون عليهما يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة وفوق القانون؟

هل يتبقى للعملية الانتخابية معنى، إذا كان المواطن يعطي صوته لمترشح ضمن قائمة حزبية ثم يفاجأ بسياحة هذا النائب وذاك في البرلمان بين الكتل و الأحزاب والمواقع ؟

ما معنى أن لايلتزم المنتخبون ولاينضبطون لقرارات أحزابهم بمجرد حصولهم على منصب سياسي ؟

هل هذه هي الديمقراطية ؟ أم تلك فوضى تجعل أعداء الديمقراطية على صواب ؟ كيف لايخضع نائب اختاره الشعب الى قانون اخلاقي ؟ كيف يستغل حصانته لممارسة العنف على من يختلف معه ؟ كيف لا يتحكم السياسي في نزعاته العدوانية تجاه من يعجز عن مقارعتهم بالحجة والدليل ؟ كيف يلتجئ الى السب والشتم تجاه كل من يفضح مؤامراته و خزعبلاته ؟.

والأغرب ان العديد من الذين ينتمون الى هذا الصنف يتخفون وراء قناع الدين ، والاسلام منهم براء . ألا يعرفون ان الخضوع الى الواجب هو أن يسكن روحك و تعترف به داخلك ، لا أن تطيعه من الخارج.. فالقانون الأخلاقي يختلف عن القوانين المدنية لأنه ليس زجريا، ليست له عقوبة غير صوت الضمير، فأن نخضع للواجب هو أن نعترف به أولا داخلنا لا أن نلزم به من الخارج . أفلا يعقلون ؟

ان الأخلاق ، مسألة ذاتية داخلية لأن أول واجب للإنسان هو واجبه تجاه نفسه “عليه أن يحترم الإنسانية فيه وعليه أن يطالب كل انسان باحترامها ” . ولكن عليه قبل ذلك أن لا يفوّت بالأساس في الإنسانية فيه”. ” إنّ الإنسان الذي لا يحترم نفسه لا يمكنه احترام أي شيء آخر”.

إنني أحلم بقانون يرتدي فيه كل الناس الحجاب: نساء ورجالا، حجابا لا يتمثل في منديل يوضع على الراس بل حجابا داخليا أكثر جذرية وأكثر صرامة من الحجاب المتداول لأنه داخلي،حجاب أسميه القانون الأخلاقي الذي يتمثل في الوعي وخاصة في احترام الإنسان أولا لنفسه أي للإنسانية فيه ثم للآخرين، أي للإنسانية فيهم. في اليوم الذي يرتدي فيه كل فرد من مجتمعنا هذا الحجاب الداخلي نقول إننا اتجهنا نحو الكرامة والتقدم والنماء.

فلا مروؤة لكذوب، ولا ورع لسيء الخلق والدول لا تبنى على الحقد … بل بحب الانسان لاخيه الانسان …

حذام محجوب: رئيس التحرير