التعليم: القوة الناعمة….. للمملكة العربية السعودية

بقلم – ا. حذامي محجوب – رئيس التحرير

المملكة العربية السعودية: “تأسيس سردية وطنية جديدة “، هكذا عنونت صحيفة “لوموند” مقالها الصادر يوم الاثنين 17 يوليو عن المملكة العربية السعودية وعن التحولات الكبرى التي تحصل فيها.

اشارت الصحفية هيلين سالون الى التغييرات التي ادخلت على كتب التاريخ والعلوم الاجتماعية المدرسية، فالمدرسة هي المدخل الحقيقي الى تنشئة الاجيال وتنمية عقول 6 ملايين من الاطفال في السعودية على نهج جديد يتناسب مع رؤية المملكة الجديدة التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان.

كان نموذج التعليم الديني في المملكة الى حدود 2001 يقوم على التلقين والاتباع والحفظ

 اكثر من التفكير والاجتهاد، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

تحركت المملكة العربية السعودية في اتجاه اصلاح منظومة التعليم فيها واتخذ الملك خطوات هامة في اتجاه تنقية اذهان الناشئة من الافكار السلفية المتطرفة.لقد صرحت الباحثة ايمان الحسين في بحث تقدمت به الى معهد واشنطن العربي للدراسات حول دول الخليج وهو “think tank” امريكي بان كتب التاريخ والعلوم الاجتماعية في المملكة اصبحت تؤكد على الولاء للدولة السعودية وعلى الهوية الوطنية.national identity

وقعت اعادة صياغة تاريخ آل سعود منذ عهد الآباء المؤسسين من قبيلة ابو حنيفة، اي منذ مائتي عام قبل ظهور الاسلام الى يومنا هذا اي الى حدود عهد الملك سلمان

دون التركيز على المحاور الدينية ولكن بالاهتمام والتأكيد خاصة على ” المواطنة” وعلى ” دور المواطن الصالح “.

لقد حذفت العديد من النصوص التي تتحدث عن اليهود والنصارى وخاصة التي ترميهم بالكفر وتحرض على محاربتهم وتدعو الى الجهاد،اما النصوص التي تقضي بالاعدام على مرتكبي اللواط والردة وكل النصوص التي تميز بين الرجال والنساء فقد وقع سحبها من الكتب.

لقد كان النظام الديني وادارة التعليم يعملان وفق المذهب الوهابي لعقود طويلة. ان سياسة المملكة اليوم لم تبتعد عن الدين الاسلامي كما يروج الى ذلك بعض المتشددين الدينيين ولكن المملكة اليوم تحرص على ان لا تبعث بخطاب عنصري لليهود والمسيحيين.

ولا بخطاب تكفيري يحث على الكراهية والاقتتال.

هنالك اعادة صياغة للخطاب الديني وتعويضه بخطاب معتدل استنادا على قيم الاسلام السمحة.

خطاب يقبل الآخر المختلف ويؤسس للعيش معا وذلك بالتحرر شيئا فشيئا من الشيخ محمد بن،عبد الوهاب هذا الامام الداعية الذي تحالف معه أمير الدرعية محمد بن سعود وهو ما يسمى بحلف ” السيف والشهادتين”.

اصدر الملك سلمان يوم 22 فبراير 2022 امرا ملكيا وضع به حدا لهذه السردية التاريخية وارجع فيه الوهابية الى مرتبة ثانوية في تاريخ المملكة.

لقد ارجع الملك سلمان تاسيس المملكة العربية السعودية الى 17 عام من قبل هذا التحالف اي الى عام 1727 , عام صعود محمد بن سعود امير درعة الى العرش واعلن الملك سلمان يوم 22 فبراير عيدا وطنيا ليحتفل به الشعب السعودي ويرسخ في الاذهان واطلق على هذا اليوم التاريخي اسم ” يوم التاسيس ” مما جعل القنصل الفرنسي السابق في جدة لويس بلين وهو ديبلوماسي ومؤرخ يصرح ب ” ان المملكة العربية ج تحولت في عهد الملك سلمان من دولة الى أمة. لقد جعل الرياض مركز المملكة واضعف الوهابية لبناء الامة السعودية، لان السلفية الوهابية تتعارض مع مفهوم الوطن “.

ان التخلص من الوهابية هو في قلب رؤية المملكة 2030 , الذي تقوم على مشروع تحديثي ضخم رسمه ولي العهد الامير محمد بن سلمان، الرجل القوي في المملكة وفي العالم اليوم.

ان الغاء الشرطة الدينية وتحرير المرأة وانفتاح البلاد على الفنون والترفيه والسياحة واعادة اعتبار تراث ماقبل الاسلام، كل هذه القرارات تشكل مظاهر لهذا التغيير الذي يهدف اساسا الى تخليص المجتمع من براثن مذهب اسلامي شديد الصرامة ادرك الملك سلمان المغرم بالتاريخ خطورة استتباعاته التاريخية وعاين صده لتقدم المجتمع.

يقول ستيفان لاكروا، استاذ العلوم السياسية وهو مختص في شؤون المملكة العربية السعودية، بأن ” ما شرع فيه الملك سلمان منذ 2015 ليس بالجديد وانما هو تسريع لما وقع البدء فيه في عهد الملك عبد الله الذي حكم بين 2005 و2015, فلقد بشر الملك الراحل ب” قومية ناعمة” بلمسات عصرية دون اثارة حفيظة علماء الدين.

لقد حاول الائمة الوهابيون بمساعدة الشرطة الدينية تعكير صفو بعض الاحتفالات الوطنية واعتبروها وثنية مثل 23 سبتمبر يوم توحيد المملكة سنة 1932 التي جعلها الملك سلمان عيدا وطنيا.

لقد وقع المرور من ” قومية ناعمة الى ” قومية حقيقية “.

لقد ادرك الامير محمد بن سلمان ان القوة الناعمة هي التي تغير المجتمعات وان ما لا ينال بالقوة ينال باللين.