“الدفاع عن الذاكرة هو الدفاع عن الحرية”

 بقلم – ابوبكر الصغير

من حسن حظّ الحكام أنّ الناس ينسون بسرعة.

الكتابة ثلاثة أنواع، ما تحمله لك من كلمات، ما تعطيك من أفكار، وما تضيفه لك في ذاكرتك من تفاصيل وقائع وأحداث عشتها أو سمعت بها.

انتشرت بيننا هذه الفترة ظاهرة كتابة وإصدار المذكّرات، خاصة من قبل أولئك الذين تولّوا مسؤوليات او كانوا في موقع المسؤولية.

غالبا ما يعطي صاحب المذكرات فيما ينقله او يكتبه لنا حريةً كاملة لنفسه، بحيث لا يقدم على الحديث عن أي مسألة أخرى او موضوع خلافي سوى عما هو مفضل لديه، وعمن هو في مصلحته بما يجعله الفارس المقدام في الشأن السياسي طبعا، والبطل الذي لا يشقّ له غبار، حتى ان حامت حول محطّات معيّنة من مسيرته بعض الشكوك او النقاط المظلمة السوداء يقوم بتهذيبها وتقديمها بشكل يكون فيه هو الضحية والبريء من ايّ شبهة.

 لـ أ.بريز ريفرت مقولة تفيد انّ : “الدفاع عن الذاكرة هو الدفاع عن الحرية”.

نعم هذا موقف صائب وسليم.

فالذاكرة بما تحمله من نقل وشهادات وما تنقله لنا من معطيات ومعلومات خفيت حتى عمن عاصروا وقوعها ليقوم شخص بنقلها لنا من زاوية وجهة نظره، والحرية بهذه الأريحية في مقاربة شؤون وطنية أو حتى دولية بعيدا عن أي شكل من أشكال الوصاية والرقابة.

انّ عملية الكتابة كيمياء معقّدة تساعد على فك شيفرات أحداث ماض بعيد او قريب، رغم انّه يبقى السّؤال عن مدى درجة الأمانة والصدق في نقلها.

لا شكّ أن إقبال السياسيين على الانغماس في تأليف المذكرات السياسية احد سمات الحياة الديمقراطية، حيث حرية الرأي مكفولة وانعدام الخوف من المتابعة أو الانتقام.

لكن يبقى الأمر الحارق مع هذا، هل كلّ هاته الشخصيات التي أتحفتنا بمذكراتها لها تاريخ سياسي حافل بالشكل الذي ينبغي له أن يُنقل لنا وللأجيال اللاّحقة ويُتضمن في مذكرات خاصة، وهل تعتقد أنها قدمت انجازات مهمة وعظيمة لهذا الوطن؟ وأن مسارها السياسي بالشفافية وبالنزاهة التي يفترض أن تتوفر في رجل سياسة يريد أن يخلّد اسمه وما أنجزه لهذه البلاد !؟.

ما يأسف المرء له أن جلّ المذكرات التي ظهرت هذه الفترة هي لرجالات كانوا في او حول السلطة في حين لم نر كتابات تؤرّخ لمسارات شخصيات وطنية بارزة أخرى كان لها شان كبير في تاريخ تونس الحديث، قد تغيّر شهاداتها الكثير من نظرتنا لأحداث مضت ومواقف اتّخذت.

مثال ذلك الخلفيات الكاملة حول الصراع البورقيبي – اليوسفي، الأسرار المخفية حول أول محاولة الانقلاب على الحبيب بورقيبة سنة1962، هل كان احمد بن صالح صانع تجربة التعاضد مسؤولا وحده عنها ؟، كيف تمّت عمليات الاغتيال لقيادات فلسطينية بتونس من بينها أبو جهاد ومن تواطأ مع الإسرائيليين ؟ ماذا جرى بالضبط في عملية حمام الشط ؟ من هي الدولة الشقيقة او الصديقة التي كانت ونسقت مع زين العابدين بن علي في الإطاحة بالحبيب بورقيبة؟.

 هل فكّر فعلا القذافي في غزو تونس بعد 14 جانفي 2011 ؟.

من هو المسؤول عن تمرير الأسلحة لثوار ليبيا للإطاحة بنظام العقيد؟ من قبض ثمن ربيع الخراب العربي؟ من هي الجهة التي هيأت ونسقت للقاء باريس بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي وأسست لما يسمّى بالتوافق الوطني الخ….؟.

لكن يبقى هناك تساؤلا أخيرا مهمّا، لم كلّ هذه التحفظات لدى أتباع التيار الإسلامي خاصة القيادات منهم إلى اليوم في كتابة مذكراتهم السياسية وكشف الحقائق الخفية عن مسار حركتهم ؟.

ليس نسيان الأحداث والمستجدّات سوى قلب صفحة من كتاب العمر، قد يبدو الأمر سهلاً، لكن ما دمنا لا نستطيع اقتلاعها سنظلّ نعثر عليها بين كل فصل من فصول حياتنا..

 خلاصة القول، لا اعتقد انًه يوجد سلاح اخطر من كتابة مسيرة حياة حاكم في عملية تسويق سياسي لشخصه !؟. فهي لا تعكس في حقيقة الأمر إلا رغبة دفينة في العودة إلى دائرة الضوء ومحاولة لمقاومة النسيان والفناء !.