الدكتور سليمان عباس البياضي: عبقرية خالد بن الوليد العسكرية

لئن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من سير الجيوش خارج جزيرة العرب في (معركة مؤتة) فإن خالد بن الوليد رضي الله عنه هو أول من نظم هذه الجيوش بعقيدة وتنظيم قتالي هزم بهما أعظم إمبراطوريتين في حينها (الفرس والروم) الذين كانا لا يقيمون أدنى احترام في لمقاتلي العرب باعتبارهم أهل الصحراء لا يجيدون أبجديات القتال سوى الكر والفر وهذا لا يقارن بأي حال مع الجيوش الفارسية والرومية المحترفة المتواجدة على حدود الصحراء في العراق والشام .

فجاءت الفتوحات الإسلامية كمفاجأة وصدمة في نفس الوقت لهاتين الامراطوريتين العظيمتين اللتان لم تفيقا إلا بعد أن زلزلت الأرض من تحت أقدامهما بفضل الله ثم بفضل عرب الصحراء الذين عفروا قداسة وعظمة هاتان الامراطوريتان في التراب . فعندما كلف الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد بفتح العراق سطع فجر جديد للإسلام والمسلمين ودق مسمار في نعش إمبراطورية فارس أولا ثم من بعدها إمبراطورية الروم اللتين أفلت شمسهما إلى قيام الساعة. حيث يعتبر خالد بن الوليد أول قائد مسلم في التاريخ يفتح بلاد أجنبية ويغير الخريطة السياسية والدينية للعالم ويمهد لاستكشاف المسلمين وعرب الجزيرة للدنيا بما فيها من موارد وأنهار وطبيعة تختلف عن الصحراء ومشاركة الأمم في هذه الخيرات .

وبفضل الله ثم بفضل تفوق خالد بن الوليد القتالي على هؤلاء أدخل رعب العرب والمسلمين في قلوب الأمم الكافرة منذ ذلك الوقت منذ ذلك اليوم حتى إلى قيام الساعة وبهذا جسد خالد تطبيقا عمليا للرعب الذي نصر الله به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على الأمم .

علما أن خالد بن الوليد لم يكن سفاحا للدماء ولكنه مقاتل محترف يعرف (شريعة الحرب)التي عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأصبحت شريعة الحرب العادلة. لا تقتل شيخا ولا امرأة ولا طفلا ولا تقطع شجرا ولا تحرق أرضا …) هي أساس وقاعدة مضمنة في بروتوكولات وقوانين الأمم المتحدة اليوم كمبادئ حضارية راقية يجب على جميع المتقاتلين التقيد بها عملياً وليس كلاماً كما يحدث الآن .

فنون القتال عند خالد بن الوليد

* يعرف شريعة الحرب
* استثمار النجاح
* لا يضيع وقت ( للتفاوض – الأسرى الغنائم )
* المخاطرة في القتال (عبور الصحراء في السماوة)
* فتوحه في العراق والشام كالعاصفة الهوجاء (تطبيق مبادئ الحرب وجميع فنون التصميم العملياتي).
* كان يعتمد التأثير ( قتل القادة أولا – فتوحه كالعاصفة – السرعة والعنف في الهجوم-… )
* يجيد التوقع (طرق حل الخصوم)
* معيار النتائج القتالية لديه (التدمير – وفقد الخصم للقدرة القتالية)
* كان قائدا ويحكم باسم الخليفة
* يستفيد من الدروس المستفادة مثل: (حنين – مالك بن نويرة – عودة المقاتلين الفرس بعد الهزيمة من معركة للقتال في معارك أخرى -….)
* يقدم المناورة في القتال (الأحزاب – أحد – مؤتة – اليمامة – كاظمة – الولجة –اليرموك)(التفاف لقوات كانت في الاحتياط لا يعلم عنها العدو وطوقت الخصوم في الوقت المناسب.

كان خالد بن الوليد بفطرته وعبقريته العسكرية يبدأ على النحو التالي ( الهدف – المناورة والحركة – التعرض العاصف لأخذ المبادرة – …. الخ) وهذا هو التسلسل المنطقي الفطري حتى عند السباع فنراها تحدد هدفها ثم تبدأ مباشرة بالمناورة والحركة ومن ثم الانقضاض العاصف على الطريدة وهكذا. ولذلك سماه الجنرال أكرم في كتابه (سيف الله خالد بن الوليد) بسيد الحركة والمناورة وأنا أقول بل هو ( ملكها المتوج دون منازع) إنه خلق للحرب فعلا. ومن مميزاته :
* جعل الفرس والروم يعيدون فكرتهم تجاه العرب في القتال والمنافسة على احتلال الدنيا (جعل العرب مرهوبو الجانب وكذلك أتباع الدين الإسلامي ) وهذا ملموس في عالمنا اليوم سمع به القاصي والداني في جميع أرجاء المعمورة .
* هو أول من صلى صلاة الفتح خارج جزيرة العرب بعدما صلاها الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم في فتح مكة.
* منحه الله جميع الصفات العسكرية المطلوبة للنصر في القتال
* خاض أكثر من 80 معركة ولم يهزم قط
* لا يتقدم إلا على تعبئة كاملة مفاجئ أو غير مفاجئ ( وكان يجسد فيه مبدأ الحرب (الاقتصاد في القوة) وهو أن لا يخصص عمليات قتالية فرعية من قوته الرئيسية إلا في أضيق الحدود فقط.
* كان يحارب بهيبته قبل أن يحارب بسيفه ( فإذا كان القعقاع بن عمرو رضي الله عنه يعادل 1000 مقاتل وغيره آخرون عرب ومسلمين وغير عرب وكفار ) فكم يعادل خالد بن الوليد من المقاتلين ؟ فإذا كان قاتل يوم مؤتة واندق في يده (9 أسياف) ولم يبقى في يده إلا صفيحة يمانية يعني (حارب في مؤتة بـ (10 أسياف) كل سيف لمقاتل يعادل (1000 مقاتل).
* أول قائد عام يعود جنديا عاديا ويقاتل كقائد للقتال وهو برتبة (جندي) كما كانت حروبه بعد عزله.
* أداة جديدة من أدوات القوة الوطنية (سيف الله) فإذا كانت أدوات القوة الوطنية لأي دولة هي أربع (الدبلوماسية – الاقتصاد – العسكرية – المعلوماتية – فإن خالد سيف الله هو قوة خامسة بل قوة ربانية بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم) ولا تتكرر هذه القوة حتى قيام الساعة.
* كان يضاعف جيشه بنسبة 100% بنفس العدد الذي معه ( مؤتة – اليمامة) وكأنه يطبق مبدأ جديد من مبادئ الفن والتصميم العملياتي) إن صح فهو معجزة وهبه الخالق.

الدكتور سليمان عباس البياضي: باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
كاتب وروائي وإعلامي
عضو اتحاد المؤرخين العرب وعضو إتحاد المؤرخين الدولي وعضو الجمعية المصرية التاريخية