بقلم – أ. حذامي محجوب: رئيس تحرير
برعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، انطلقت في مكة المكرمة اشغال المؤتمر الدولي: “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي.
شارك في هذا المؤتمر عدد هائل من ممثلي المذاهب والتيارات الإسلامية من مختلف دول العالم.
جمع هذا المؤتمر علماء ومفكرين على رأسهم الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه ومفتي عام السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وآخرين من مصر والعراق وإيران وتركيا وباكستان…
ان انعقاد هذا المؤتمر في شهر رمضان المعظم يحمل رمزية خاصة، اذ يسعى إلى بناء جسور من التقارب والتعاون بين المذاهب المختلفة بهدف مساعدة الأمة الاسلامية على مواجهة التحديات المشتركة.
ان كل المسلمين يدركون ان العالم الإسلامي منقسم إلى مذاهب وطوائف مختلفة في الماضي والحاضر رغم ان الدعوة المحمدية تقوم على مفهوم وحدة الامة، هذا المفهوم الذي يحمل معاني عميقة ودلالات حضارية.
ان التمايز والاختلاف بين المذاهب الفقهية يفرق المسلمين اليوم، وكان سببا كذلك عبر التاريخ في اندلاع صراعات وصلت في بعض الاحيان إلى حد التطرف والاقتتال مما يحتم ضرورة توحيد كل الجهود وتظافر كافة القوى، لتجاوز النزاعات والتغلب على أسباب الخلاف والتركيز على ما هو مشترك بين دول وشعوب امة واحدة لتقوى وتنتصر امام كل التحديات المصيرية التي تواجهها.
حرصت المملكة العربية السعودية على استضافة مشاركين متميزين لهذا المؤتمر، علماء ورجال دين عرفوا بمكانتهم وتأثيرهم.
تمّ فسح المجال اهم للتعبير بكل حرية عن افكارهم ووجهات نظرهم ورؤاهم في اطار حوار شفاف وصادق وبنًاء، حوار جاء كاستجابة لرغبة حكماء الأمة الإسلامية وعقلائها في نزع فتيل الخلافات، وتجنب مزيد من الاحتقان والتمسك بالقواسم المشتركة التي من شأنها أن تمثل أرضية ثابتة يقف عليها الجميع.
اجمعت كل الوفود المشاركة واتفقت على ان الاختلاف رحمة باعتبار ان الإسلام هو اعمق من أن يحتكره او يعبر عنه اتجاه واحد او ينحصر في مذهب واحد، لما له من قدرة فائقة على التكيّف، هذه المرونة التي حباها به الله هي التي تجعله صالحا لكل زمان ومكان.
ياتي هذا المؤتمر في اطار جهود المملكة في التقريب بين قادة المذاهب الإسلامية وتيسير التواصل بينها، بسعيها في العديد من المناسبات باستضافة العديد من جولات الحوار بين أبناء الدين الواحد الذين يتوجهون نحو قبلة واحدة ويجمعهم القرآن وتوحد بينهم ثوابت الإسلام.
حرصت القيادة السعودية وسخرت كافة الأجهزة والمؤسسات ذات الصلة من اجل تعزيز الحوار وتركيزه كسلوك مدني يعبر عن تحضر المسلم ويمكنه من الالتقاء بالآخر المختلف.
في المقابل تصدت المملكة بكل صرامة لكل المناوئين الذين يغذون الخلافات لإثارة الفتنة والشقاق والاحتراب بين الناس.
ان حرص المملكة على تقريب المذاهب ومقاومة التطرف تمتد نتائجه إلى كل العالم الإسلامي نظرا لمكانة المملكة الروحية، فهي ارض الحرمين المباركة ومهبط الوحي وأطهر البقاع وقبلة أكثر من مليار مسلم، مما يجعلها في قلب كلّ مسلم.
ان التعايش والتسامح بين جميع المذاهب والتيارات بين أبناء الدين الواحد ينبغي ان يكون مصدر خلق وابداع، فهو عامل ثراء وتنوّع ولا ينبغي ان يكون مدخلا للشقاق والصراع.
من هنا كان تفاعل كل المشاركين في مؤتمر ” بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية ” مع دعوات الإخاء والتعاون التي اطلقتها المملكة وتشبثهم بقيم الإسلام الذي أمر بالاجتماع والائتلاف ووحدة الكلمة والصف، والبعد عن الفتنة والتفرقة.
يكتسي هذا المؤتمر كذلك اهمية قصوى في هذه المرحلة التاريخية التي يواجه فيها العالم الإسلامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهو ما يقتضي تكثيف جهود علماء المسلمين وفقهائها وقادتها لتجاوز الخلافات ومزيد تقريب المذاهب.
أماني كبيرة في أن يحقق هذا المؤتمر التقارب بين المذاهب الإسلامية، وأن تساهم مخرجاته في تأصيل الأسس التي ترتكز عليها وتتجسّد وحدة الامة.
الطوائف نعمة، الطائفية…نقمة….!.