الشخص الذي يريد ان يكون هو !.

بقلم: ابوبكر الصغير

عندما التقيت في احدى المناسبات، تحديدا بباريس في احد فنادقها الفاخرة الرائد الركن القيادي الليبي عبد السلام جلود الذي ينتمي إلى قبيلة المقارحة وأحد من شاركوا في حكم ليبيا بعد ثورة الفاتح سبتمبر 1969، بل كان العضد الايمن واقرب القيادات السياسية للزعيم الراحل معمر القذافي، كان في وضعية لجوء سياسي بعد ان تمكن بفضل صداقات مع قوى خارجية من مغادرة ليبيا على بارجة عسكرية بحرية امريكية.

 عرض علي عبد السلام جلود ان اساعده في كتابة مذكراته كشاهد على عصر ومحطات مهمة في مسيرة الثورة الليبية، بل في جماهيرية القذافي.

اكتشفت في السيد جلود جوانب مهمة من حياة الرجل، كذلك ادواره في صنع السياسات الليبية، حدثني عن قادة دول عظام التقاهم من ذلك الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وكيف اغضبه، وآية الله الخميني والموقف الليبي من الثورة الايرانية والزعماء جمال عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الاسد..

 لكن ما شدّني ما رواه لي من اسرار حول حقيقة خلافه مع القذافي الى حدّ تهديد حياته وحياة اسرته.

 لكن الاهم الجانب السري في سياسات عقيد ليبيا ودعمه لحركات التحرر والثورات في عديد مناطق العالم.

 اعتذرت بعد جلسات مع الرجل الثاني في الثورة الليبية عن الكتابة ليس بسبب موقف، بل لانشغالي بمهام عمل اخرى.

 ساهمت شخصيا في كتابة مذكرات عديد الوجوه والشخصيات السياسية.

 بالنسبة الي تجربة مكنتني من ثروة كبيرة من الاسرار والمعلومات.

 مذكرات السياسيين ورجال الاعمال والرواد في مجالات اعمالهم كنز ثمين.

انّ الكتابة ثلاثة انواع، ما تحمله لك من كلمات، وما تعطيك من افكار، وما تضيفه لك في ذاكرتك من تفاصيل وقائع واحداث عشتها او سمعت بها.

ينبغي التفكير في اضطراب الكتابة في هذا السياق.

لكن كتابة المذكرات. تشكك في هذا التسلسل الهرمي للكائنات وفقًا لقوتها “المنطقية “.

 إنها تلغي أي مبدأ منظم لتجسد مجتمع الشعارات.

 إنها تدخل تنافرا جذريا في سيمفونية المجتمع كما يعتقدها كانسجام بين أنماط الفعل والوجود وحقيقة الموقف والقول.

 الانسجام بين مهن المسؤول وما “يفعله” وبين حقيقة مقاربته للوقائع والاحداث.

إن المذكرات والشهادات على عصر المكتوبة هي شعارات كالوصفات الطبية التي اذا ذهب الطبيب بعيدًا سيتركها لعلاج أي مرض في المستقبل.

إن الديمقراطية هي في الواقع نظام الكتابة، النظام الذي تحل فيه الرسالة محل الخطاب الحي، والروح الحية للمجتمع.

فكتابة المذكرات ليست في نهاية الامر الاّ متابعة لاحلام لم تنجز واقعا.

 فالمرء من خلالها بامكانه ان يصنع لنفسه صورة اخرى جديدة يشكّلها هو كما يريد ويشاء !. ليكون الشخص الذي يريد ان يكونه !.