الشعبوية تحرير للشعوب.. أم عنتريات وغوغاء ؟

بقلم – حذامي محجوب :

رئيس التحرير

في منظور علوم السياسة، يلتزم عادة القادة الشعبويون بالحد من حقوق خصومهم.

والواقع أن مثالهم السياسي الأعلى ليس النظام، بل تبعية كل قواعد السلطة المستقلة التي قد تتحداهم: المحاكم، ووسائل الإعلام، والأعمال التجارية، والمؤسسات واصحاب المال والنفوذ.

اذ تُعَد المؤسسات المستقلة العدو الأكثر خطورة وأهمية للشعبوية، إذ يتسم القادة الشعبويون بالهوس بالسيطرة.

نشهد تنامي الشعبوية بصفة مطردة، لكن هذه الكلمة التي يرددها العديد من الناس تجاه ما يستجدّ ويحصل في الواقع المعاصر تحمل خصائص متعددة وصفات مشتركة، حاولنا رصد اهمها، بالاحرى ما هو جلي منها لكي نمكن القارئ من الفهم ومن استيعاب بعض مبادئ هذه الشعبوية.

غالبًا ما تُستخدم كلمة “شعبوية” كشتيمة ” او ” اهانة”، اي تهمة يُقذف بها السياسيون الذين يسعون إلى التملص من النقد.

 لكن بعيدًا الاستخدام المفرط، يبقى غموض المصطلح قائمًا، ويختلف معناه وفقًا للسياق.

 اليكم بعض المبادئ الأساسية لمحاولة تعريف الشعبوية في راهننا الحالي.

 د. لتعريف الشعبوية علينا التمييز بين شكلها “الاحتجاجي” و”هويتها”.

 اذ يميز ” بيير أندريه تاجييف ” شكلين من أشكال الشعبوية. من جهة هي شكل من “الاحتجاج” يؤكد دائما على اتهام النخب السياسية والاقتصادية وادانتها على ما هي عليه الاوضاع ووصمها بالفساد في كل مناسبة.

 هذا الموقف يقتدي بما ينتهجه اليسار للاقناع، ويخاطب من لا وظائف لهم والذين عانوا من تدهور أوضاعهم المعيشية المادية بسبب “العولمة المالية”.

في حين ان شعبوية “الهوية” تستند بشكل أكبر على الشعور بفقدان القيم غير المادية والثقافية، الأمر الذي من شأنه أن يستغله “الأجنبي”. انه خطاب يستهدف الطبقات الوسطى.

من جانبه، يرى ” دومينيك ريني ” ان هذين البعدين ليسا حصريين بالضرورة، ويمكن أن يفسر الجمع بينهما النجاح الحالي لزعيمة اليمين الفرنسي ” مارين لوبان “.

1- تتبع الشعبوية استراتيجية غريبة وهي امكانية تبني العديد من الأفكار السياسية،من اليمين ومن اليسار. إنها ليست أيديولوجية اذ لا تتجسد الشعوبية في نوع محدد من النظام السياسي، ولا في مضامين أيديولوجية محددة، وفقًا لتعريف الفيلسوف ” بيير أندريه تاجوييف “، بالتالي، فإن الشعبوية أقرب إلى “الأسلوب السياسي” المقترن باستراتيجية الظفر بالسلطة التي تتكون من مجموعة من العمليات الخطابية التي تستغل وتلعب على ما ترمز اليه بعض التمثلات الاجتماعية.

 هكذا يمكن للشعبوية أن تضع نفسها في خدمة جميع الأيديولوجيات السياسية، سواء كانت من أقصى اليمين، أو من اليمين، أو من اليسار، أو حتى اليسار المتطرف، كذلك من الوسط، هذا ما يلاحظه العالم السياسي ” يان فيرنر مولر “، مستشهداً بمثال ” جيرت فيلدرز ” في هولندا.

2 – مقولة الشعب جوهرية عند الشعبويين اذ تعتبر الشعبوية الشعب “وحدة غير قابلة للتجزئة “.

يشرح ” دومينيك رينيه ” أن الخطاب الشعبوي يقوم على ” نداء للشعب كله”، باعتباره كيان متجانس مثالي،لا يتداخل مع الواقع الاجتماعي والسياسي. إن المجتمع بتنوعه، وبفئاته الاجتماعية وطبقاته وتمثلاته الجماعية، لا يأخذ في عين الاعتبار من قبل الشعبويين.

ان هذا الشعب الذي يبدو عندهم بمثابة الاسطورة لا يمكن اعتباره إلا بطريقتين.

 اما من خلال طابعه العرقي، المحدد من خلال أصل أو ثقافة دينية مشتركة، وإما من خلال عنصر “المفروزين” اي المبعدين، الذين لاتشملهم عملية توزيع الثروة.

3 – الشرعية الحصرية :

يدعي الشعبويون أنهم الشرعيون الوحيدون الذين يمثلون الشعب والمعبرين عن إرادته.

 اذ يتميز الشعبويون برؤية مناهضة للتعددية وللديمقراطية من خلال ادعاء احتكار التمثيل الشعبي.

 يعتبرون انفسهم الممثلين الوحيدين للشعب، في المقابل جميع الأطراف الأخرى، يعتبرونها بطريقة أو بأخرى، غير شرعية.

 يدافع الشعبويون عن “عقد” يعبرون بموجبها عن الإرادة الحقيقية للشعب.”

4 – يتسم الخطاب الشعبوي بالحدة وبالتشنج :

اذ تتصدر الهجومات والتهديدات الخطاب الشعبوي.

من اهم خصائص الخطاب التي تبثه الشعبوية هو اللجوء المنهجي إلى الغوغائية والإفراط في التهجم على الخصوم اكثر من الرد على حججهم بالبراهين والوقائع.

 يخلص ” دومينيك رينيه ” أن الطبيعة الراديكالية للخطاب الشعبوي تجعله مدويا ومذهلاً وجذابًا من بعض النواحي وبالنسبة لمجموعات لايستهان بها.

5 – الشعبوية تركز دائما على كبش الفداء وعلى نظرية المؤامرة.

يستند الخطاب الشعبوي على تحديد المسؤولية وتحديد الجناة في حالة الازمات وان اقتضى الامر خلق ازمات مزعومة.و ذلك لتحقيق اهداف مزدوجة، فالشعبوية تضع الشعب في مواجهة أولئك الذين كانوا قادوا او سيقودون البلاد إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والذين يعرضون هويتها للخطر: اي تنحاز بمنطقها إلى الصغير امام الكبير، والى الضعيف امام القوي،والى البريء ضد المذنب.

انها دائما تؤكد على اختلاف الخصومات.

لذلك ترى الشعبوية ان المسؤول الأول لابد ان يكون من مكان آخر، من خارج النخب …

6- ينطوي الدفاع عن الهوية الوطنية في الخطاب الشعبوي على شجب كل تدخل من الخارج واعتباره مؤامرة وغزوا.

 يرى الشعبويون أن النخب غير اخلاقية وهي بعيدة عن مطالب الشعب.انها في تناقض مستمر مع الشعب الطاهر أخلاقياً. وبالتالي فهم متهمون بتشكيل طبقة خارجية في المجتمع ومنفصلة عن الأمة. تتهم الشعبوية هذه النخب بخدمتها لاجندات خارجية وتسعى إلى ترذيلها وتذهب حتى إلى تخوينها.

هذه النخب المعنية بكل هذه الاتهامات والهجومات هي الطبقة السياسية الحاكمة، والقضاء، والقائمين على المؤسسات والشركات الاقتصادية الكبرى وكذلك وسائل الإعلام.

 اذ غالبًا ما يتم اتهامهم بالفساد،كما يتم السخرية من كفاءتهم والتحريض عليهم،واتهامهم باستمرار.

 يميّز ” كريستوف بلوخر “، على سبيل المثال، حتى بين النخب “الزائفة” والنخب “الحقيقية” التي تؤدي مهمتها “بالحماس والمهارة المطلوبين، يمكن التعرف عليها،” النخب التي تفشل في تلبية هذا المطلب. يتم “إبعادها واستبدالها على الفور”.

 ان المؤسسات الأوروبية وكذلك ” مؤسسات التمويل الدولي” يقع اتهامها وشيطنتها من قبل الشعبوية.

6 – الزعيم ضروري :

ان الزعيم هو الوحيد الذي يتبنى ويحمل الخطاب المعادي للنظام.يعرف عالم السياسة ” فدريكو تاراقوني ” الشعبوية كعلاقة سياسية بين متكلم ومجموعات مبعدة ومهمشة تسمي نفسها ” الشعب” او بالاحرى تريد ان تكون هذا الشعب.

 ان استراتيجيا الشعبوية تصل إلى حد الافراط في تشخيص الحركة عن طريق صورة الزعيم الذي يكون في نفس الوقت شديدا ونزيها، عنيفا وطاهرا.كما ان الزعيم هو الوحيد الذي ينطق بالخطاب المنافي للنظام وغالبا ما يكون الوحيد الذي يصرح به، على خلاف الاحزاب التي يتكلم باسمها الكثير من القياديين سواء كانوا نوابا في البرلمان او منتخبين على المستوى المحلي كما يؤكد على ذلك ” دومينيك راينيي “.

 7 – التهرب من الاعلام

 ان الشعبويين يتهربون ويرفضون وسائل الاعلام التقليدي ويدعمًون اجهزة البث التي يختارونها.

 يستنتج ” بيار اندري ” تاغياف انه من خصائص الشعبوية رفض الاعلام الذي يعتبرونه “غير مجدي بل محدود ومضر “.

انهم يعتبرون الاعلام تابعا لنخبة تدافع وتحمي النظام القائم.

ان ” ماري لوبان ” تختار الاعلام الذي يعاضدها لاغير.

ان الحركات الشعبوية تتوخى اتصالا مباشرا مع الناخبين.

اليوم، ومع الثورة الرقمية امكن لهذه الحركات ان تبعث برسائلها على مختلف المنصات، تويتر، يوتيب،الفيديوهات على فايسبوك.

كلها وسائل او وسائط تمكن الشعبويين من التحرر من الصحفيين.

 يقول ذلك العظيم المهاتما غاندي : ” توجد سبعة اشاء تدمر الانسان : السياسة بلا مبادىء , المتعة بلا ضمير , الثروة بلا عمل , المعرفة بلا قيم , التجارة بلا اخلاق , العلم بلا انسانية , العبادة بلا تضحية “.

One thought on “الشعبوية تحرير للشعوب.. أم عنتريات وغوغاء ؟

  1. شكرا موصولا أستاذة على جهدك الواضح في تقديم مفهوم متداول كثيرا رغم ما يكتنفه من غموض أو حتى لبس. مقال يزخر بإحالات على مراجع عدد كبار المختصين في مجال العلوم السياسية.هل كان بالإمكان ذكر بعض القيادات السياسية العالميين والعرب ممن عرفوا بشعبويتهم؟

Comments are closed.