الشهرة والأضواء.. “نعمة ام سجن”؟

بقلم: حذامي محجوب – رئيس التحرير

 في الشُّهرة ما يُمدحُ ويُذمّ..

 ان الشهرة هي التبجيل والعناية التي تحظى بها شخصية ما في مجتمع ما، وقد تتحول هذه الشهرة الى العالم بأسره، فالشهرة هي من مصدر شهر وشهرات أي كون اسم أو شخص أو شيء معروفا لدى الناس معرفة واسعة،صيتا وسمعة.

 فيقال ” طبّقت شهرته الآفاق” بمعنى له سمعة أو وجاهة أو مجد وشعبية أو كلها معا بين الناس.

 تعودنا أن يشتهر اللاّمع والنابه والمؤثر في الإنسانية بعمل ابداعي أو سياسي أو فكري أو خيري….فالشهرة هي الخروج من اطار الفردية الى الجموع والعموم دون استثناء.

 لكن الشهرة اليوم أصبحت مقترنة بوسائل الاعلام والتواصل فأخذت منعرجات جديدة، فهنالك شهرة قصيرة قد تتمتع بها شخصيات برزت وظهرت في الاعلام على اثر حدث رياضي أو تجاري ما أو حتى اجتماعي، أي شهرة مرتبطة بحدث معين وفي اطار معين، قد يكون في بعض الأحيان مجرد برنامج تلفزي لقي رواجا كبيرا عند المشاهدين، لكن سرعان ما تخبو هذه الشهرة خاصة اذا لم تقتنص الشخصية التي اشتهرت اثناء هذا الحدث الفرصة لتتقدم في العمل سواء كان فنا أو سياسة أو أي مجال من مجالات الابداع الانساني، الذي يشدّ الأنظار ويسمح بالبروز.

 يعاني هذا الصنف من المشاهير لوعة فراق الشهرة كامل حياتهم ويبقون في حسرة قد تفسد عليهم متعة الحياة من بعد، لأنهم قد ذاقوا حلاوة الشهرة من البهرج والنفوذ ومحبة الناس وسرعان ما فقدوه لانعدام الفرص أمامهم ثانية أو لانسحابهم من حياة الأضواء لأسباب شخصية أو اجتماعية.

أما الشهرة التي ينالها آخرون والتي تستمر لفترة طويلة وتبقى عند البعض حتى بعد الموت فتلك هي الشهرة الحقيقية وكل بلد له طريقته لصعود المشاهير ولصناعة النجوم اليوم، واذا نظرنا الى بلداننا العربية نجد خلافا لبعض البلدان الأخرى أن المشاهير هم غالبا من رجال السياسة ومن الفنانين والممثلين السينمائيين والرياضيين.

 هؤلاء هم تقريبا من تسلط عليهم تكنولوجيات الاتصال والاعلام والأضواء ومن يتصدرون الصحف واللافتات الاشهارية ومن يحظون بالدعوات للمشاركة في البرامج الاذاعية والتلفزية وكل الحفلات الرسمية والتظاهرات الثقافية.

 فتصبح صورتهم عالقة بالأذهان ملتصقة بالمخيلة تترائى لنا حيثما ولينا وجهنا وهذا المعنى الحقيقي للاشهار اليوم فهو بكل بساطة ” أن يكون الانسان معروفا لدى الذين لايعرفهم “.

 هكذا هي الشهرة، هي نتيجة لاكتساح وسائل الاعلام كامل الفضاءات التي نعيش فيها، وهي الهدف من مظاهر انتشار الصورة وتدفقها في كل مكان، لم تعد تقتصر على السينما والصورة الفوتوغرافية بل تجاوزتها الى المجلات والملصقات الحائطية والاعلانات في الشوارع وعلى الشبكة العنكبوتية بحيث لو لم تكن هذه الوسائط لبقيت الشهرة مرتبطة بالسمعة وبالوجاهة وفي أمهات الكتب على رفوف المكتبات.

لم يعد لنا اليوم في عالمنا العربي مشاهير فقط بل أصبح الكثير من المتابعين لهم مدمنين على أخبارهم، انهم يبدون لنا أبطالا رومنسيين يستمتعون بحياة لطيفة في عالم جمالي لا يشوبه أي منغص، بل لعل الكل يحلم بأن يعيش ولو لحظة هذه الحياة المشرقة تحت الأضواء، لكن في الواقع الشهرة والمال والأضواء لا تحميهم من مشاكل الحياة ومتقلباتها، فهم يعانون كثيرا، بل هم يعانون أكثر منا،ففي حالات المرض مثلا يلجأ الانسان العادي الى الأطباء والى الاحتماء بأفراد عائلته لكن المشاهير يتضاعف شعورهم بالخوف من فقدان الشهرة عند التعب او المرض فيحاولون تورية ذلك واخفائه ويحاولون الظهور بأجمل حلة ويستعملون “الكريمات ” و”المايك آب” وكل طرق التجميل بإفراط حتى يظهروا وهم يشرقون جمالا وبهاء وفي داخلهم خوف شديد من فقدان الشهرة والابتعاد عن الأضواء.

 كما أن لقاءات كثيرة مع فنانين وسياسيين ورياضيين ومشتغلين في الموضة واعلاميين أثبتت أنهم يعانون عزلة كبيرة رغم أنهم يعيشون تحت الأضواء في كل لحظة لأنهم يفشلون في حياتهم الزوجية والعائلية بسبب الضغوط التي تفرضها عليهم حياة الشهرة وقد يحرمون في بعض الأحيان من أبسط الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها مواطن عادي مثل حرية التنقل، فتراهم لا يستطيعون الفسحة مع عائلاتهم ولا حتى مع اصدقائهم دون تضييق من المتابعين وطلب التوقيعات من اشخاص لا يعرفون من اين يخرجون اليهم حتى وان كانوا في حقل طبيعي،فيلجأ المشاهير الى العزلة حتى لا يباغتهم أناس لا يعرفونهم فتكثر الاشاعات التي ستتداولها الصحف والتي ستنتشر بسرعة البرق على وسائل الاتصال، فالإشاعات حتى وان كانت كاذبة وملفّقة فهي تسيئ اليهم ويمكن أن تعصف بهم وهم مجبرون على مواجهتها بالمال وبالإعلام للحفاظ على شهرته (خاصة ما يتعلق منها بحياتهم الشخصية وبأخلاقهم وعلاقاتهم الحميمية….).

ومن هنا يبدو ثمن النجومية باهضا لأن صاحبها قد يعاني الأّمرّين من ملاحقة الصحفيين والفضوليين ومن اقتحام حياته الخاصة ونشر الشائعات واستغلال خصومه لها، انه يشعر دوما أنه ليس تحت الأضواء فحسب بل تحت المجهر وهذا يكون دون شك جميل ومثير في البداية لكنه سرعان ما يتحول الى شعور بالاغتراب، اغتراب الانسان الذي لا يملك نفسه فيصبح قلقا متوترا، انه شعور بالإحباط وبالخوف، خوف لأنه فقد حياة عادية وخوف كذلك من عدم تحمل حياة عادية اذا ضاعت الشهرة فتراه يتشبث بها بكل قواه لأن كل العالم الذي بني حوله يقوم على هذه الشهرة، انه يخاف أن ينفضّ الأصدقاء والأهل من حوله وهو يدرك أنهم أصدقاء مصلحة لأنهم يستفيدون من شهرته بكل الطرق.

الشهرة اشبه ما تكون بالسجن الذهبي وأن يصبح الانسان مشهورا في مجتمعنا هو كمن حكم عليه أو من يتمتع بسراح شرطي، فعليه أن ينتبه في كل مكان يقصده وأن يحسب كل خطوة وأن يضع خطة لأبسط الأشياء التي يقوم بها ” من أي باب يدخل الى الفندق؟ ومن أين يخرج منه ؟ متى يذهب الى المطعم ؟ وكيف ؟ ومتى يخرج منه ؟.

 ان المشاهير يشتاقون ويحلمون بحياة عادية قد حرموا منها فلا يستطيعون لا التنازل عن الشهرة ولا العودة الى هذه الحياة فيصابون بشتى أنواع الاضطرابات والأمراض.