بقلم – ا. حذامي محجوب – رئيس التحرير
لنابليون بونابرت مقولة عظيمة: “دع الصين نائمة فإذا استيقظ التنين اهتز العالم”.
تفاجات بيكين على غرار بقية العواصم الغربية بموجة الانقلابات في إفريقيا.
ان عدم الاستقرار السياسي الذي شهدته القارة الإفريقية هذا الصيف الصاخب يزعج الصين نظرا لحجم الاستثمارات الضخمة التي قامت بها بيكين في إطار خطّة ” طريق الحرير الجديد” هذا المشروع الذي يبدو انه أصبحت محفوفا بالمخاطر.
إن الانقلابات التي حصلت في إفريقيا لها جانبان، واحد ايجابي وآخر سلبي بالنسبة للصين.
يتمثل الجانب الايجابي في كونها ستحد من سيطرة العالم الغربي على القارة وتؤذن بنهاية هيمنة استعمارية استمرت طويلا.
اما الجانب السلبي لهذه الانقلابات فهو تهديدها لاستقرار وامن البلدان الإفريقية وجعل الاستثمار فيها محفوفا بمخاطر كثيرة اضافة الى الضرر بمصالحها الاقتصادية.
ان المتابع للسياسة الصينية يعرف ان بيكين اعتادت على التحفًظ في فترة الأزمات.
فالصينيون يراهنون على استقرار القارة الإفريقية باعتبارهم أهم الممولين والمستثمرين في المشاريع فيها، في حين ان الروس يبحثون عن زعزعة الاستقرار في إفريقيا لأسباب استراتيجية سياسية وكذلك للحصول على منافع مادية على المدى القصير،فما حصل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دليل على ذلك، لقد استعملت روسيا الفيتو ( حق النقض) لانهاء العقوبات المسلطة على مالي في جلسة مجلس الأمن التي عقدت الأربعاء 30 اوت لمناقشة مسودة قرار فرنسي إماراتي لتمديد العقوبات على هذا البلد.
في حين امتنعت الصين عن التصويت.
وقع الانقلاب في دولة الغابون في اللحظة التي نظمت فيها الصين في بيكين وخلال ستة أيام متتالية (من 28 أوت إلى 2 سبتمبر) -المنتدى الثالث الصيني – الإفريقي: من اجل السلام والامن.
ملتقى أعلن الصينيون انه جمع “أكثر من مائة مسؤول وممثل عن بلدان الاتحاد الإفريقي”
وفي يوم الثلاثاء 29 اوت صرح وزير الدفاع الصيني لي سانغ فو بان: “التعاون بين الصين وإفريقيا قائم ولن يتغير “، كما اجرى الوزير عدة لقاءات ومحادثات مع مسؤولي الدفاع لكل من دول السينغال وجزر القمر وجمهورية الكونغو والكاميرون وغانا وزامبيا وجنوب السودان وغامبيا وموريتانيا واوغندا.
الصين خلافا لروسيا لا ترسل المرتزقة الى إفريقيا وتتجنب التدخل العسكري في الصراعات الداخلية للبلدان، ولكن لها العديد من اتفاقيات التعاون مع معظم البلدان الإفريقية التي تبيع لها التجهيزات العسكرية والتقنية المتطورة.
ان المجالات الاساسية التي تتدخل فيها الصين تكمن اساسا في المحافظة على السلام، ومناهضة الارهاب، ومقاومة القرصنة، وتقديم المساعدات الانسانية والتكوين العسكري…
العديد من المجالات المندرجة ضمن خطَة ” طريق الحرير الجديدة “، هذا البرنامج الكبير للاستثمارات الدولية الذي اطلقه في عام 2013 رئيس الصين شي جين بينغ.وهي استراتيجية تنموية تعتمدها الحكومة الصينية وتتضمن تطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.
لقد راهنت الدبلوماسية الصينية اساسا على القارة الإفريقية وجعلتها من اولوياتها حتى ان وزراء خارجية الصين يتوجهون اليها في مستهل كل عام كاول زيارة رسمية لهم.
ان حضور الصين في إفريقيا يظهر في عدة مشاريع من بينها النيجر اين تستغل بيكين مصفات صغيرة كما بنت خط انابيب يبلغ طوله 2000 كلم ( وبلغت تكلفته اكثر من 4 مليار دولار ) والذي سيمكن من تصدير النفط مرورا بالبنين، مما يعني ان الصين لا تنظر بعين الرضا الى الانقلاب العسكري الذي حصل في آخر شهر جويلية.
وقد كانت عبرت في شهر افريل من هذه السنة كذلك عن استعدادها لبناء ” قطب صناعي ” في النيجر مخصص لتنمية تحويل المواد الفلاحية.
ان الصين لا ترتاح لكل طارئ مفاجئ وغير متوقع خاصة وانها قريبة جدا من الرئيس محمد بازوم ومع ذلك فهي لم تندد بالانقلاب الذي حصل حفاظا على مصالحها وسياستها بل كان هاجسها الاساسي هو ضمان امن الصينيين في النيجر ثم مواصلة نشاطاتها حفاظا على مصالحها.
ان الانقسام الحاصل في المجموعة الاقتصادية للدول الإفريقية سيداوو CEDAOE يتلاءم ومصالحها.
فلقد مولت الصين ب 32 مليون دولار مقر هذه المنظمة لكسب صناع القرار في إفريقيا.
لكن قائمة البلدان ” ذات المخاطر” تتسع كل يوم، مما سيفرض على القادم الصينيين مزيدا من الحذر والتعقل.
ففي الغابون شيدت طريقا يربط بين ليبريفيل وبورت جنتيل ,وكانت تعتزم على الاستثمار في مشروع كبير على الحدود مع الكامرون.
لقد دعا وزير الشؤون الخارجية الصيني وانغ يي الى ” حل الخلافات عن طريق الحوار والرجوع الى السير العادي للدولة وضمان سلامة علي بونغو رئيس الجمهورية الذي وضع قيد الاقامة الجبرية من طرف العسكريين.
ان الصين قد تفاجات بانقلاب الغابون وهي التي رحبت بعلي بونغو وفرشت له السجاد الاحمر لتبعده عن فرنسا خلال السنوات الاخيرة.
يبدو أن بيكين هي القوة الصامتة الذكية التي تلعب دورا متزايدا في السياسة والاقتصاد الدوليين دون ضجيج.