بقلم: ا. حذامي محجوب
إنها زهرة الربيع، وروح الحياة. تلك هي المرأة، ليس هناك حد لما يمكن أن تنجزه المرأة، فما بالأمر إذا تعلّق بحياتها وحريتها وكرامتها.
في تقدير موقف، من الضروري اليوم والجمهورية الإسلامية الإيرانية تعيش حالة احتقان كبيرة بسبب وفاة المرأة مهسا امينى، هاته الشابة التي أصبحت رمزا للنضال النسوي، أن نتحدّث عن أوضاع المرأة في إيران، لأن المتابع للدّراسات والمقالات التي تنشر عن المرأة في الجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة في أغلب الصّحف الدّولية والمواقع الالكترونيّة يلاحظ مدى حرص هذه المنشورات على ربط قضايا المرأة في إيران بمسألة التشادور حتى أنه قد وقع اختزال كلّ تاريخ المرأة في إيران في حادثتين، الحادثة الأولى وقعت في سنة 1934 وهي كشف الحجاب عن المرأة في عهد الشّاه رضا بهلوى أما الثانية فهي حادثة إعادة الحجاب وفرضه على المرأة في الأعوام الأولى عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979.
في هذا السياق لابدّ من الإشارة إلى أنّ هنالك تجنّيا كبيرا من قبل العديد من الملاحظين الذين يروّجون العديد من الإحصائيّات الخاطئة وهنالك فهم خاطئ للمعارضين المقيمين خارج البلاد والذين يدقّون طبول الحرب على نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بترويجهم لنظرة سيّئة لوضعيّة المرأة في إيران بعد الثّورة.
ففي العديد من البلدان الإسلامية نجد أنّ الحجاب مفروض على المرأة وتلزم حتى بارتداء النقاب في العديد من الأرياف العربية لكن لا يقع الحديث عنه في الصّحافة العالميّة ببشاعة وبالصّفة التي يتحدّثون بها عن فرض الحجاب في إيران , ويعتبرون أن ذلك يدخل في عادات وتقاليد وخصوصيّات هذه البلدان في حين أن الحجاب في إيران رغم أنه إلزامي فهو ليس زجريّا، فالمرأة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ترتدي العباءة والجلباب وأنواع الجبّة في موضات مختلفة ومتنوّعة وكأنّ الحجاب الذي فرض بعد الثّورة والذي يفترض أن يكون زيّا موحّدا صارما ومتواضعا قد تحوّل إلى ثورة في عالم الأزياء بإدخال ألوان مُبهِجة عليه وطرق جديدة أكثر تحرّرا لارتدائه.
أما التشادور فهو قديم في بلاد فارس ولا يعدو أن يكون سوى زيّا وطنيّا مثل بقية الأزياء التقليديّة في بقيّة بلدان العالم.
لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال في رأينا مقاربة وضعيّة المرأة الإيرانية من زاوية الحجاب واختزال نضالات أجيال من النّساء الإيرانيات في مسألة غطاء الرّأس اذ لا يمكن أن نغضّ النّظر عن دور المرأة الإيرانية في التّطورات الاجتماعيّة والسّياسية التي عرفتها الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية ونحصر دورها في صراع من أجل اللّباس كما تفعل العديد من المنظّمات النّسائية والصّحف غربيّة كانت أو عربيّة بالاستناد إلى تنظيرات أيديولوجية وسياسيّة مختلفة.
لذلك سأبحث عمّا وراء الحجاب أو بالأحرى في الذي يحجبه الحجاب عن الذين لا يرون الاّ ما يقع تحت أنظارهم،فما الذي يخفيه الحجاب عن الأبصار اذن؟
هل أن النّساء في إيران يتمتّعن بحرّيات أكبر من نظيراتهن في منطقة الشّرق الأوسط؟ يبدو أن المرأة الإيرانية هي الحاكم الفعلي والحقيقي داخل الأسرة، إنها قلب الرّحى للمجتمع الإيراني ولكلّ التحوّلات التي وقعت فيه إلى حدّ الآن وقد لا يدرك هذه الحقيقة فعلا من هو خارج إيران.
ففي مقابلة صحفيّة أجراها خلال الأيّام الأولى من انتخابه رئيسا للجمهورية سئل محمد خاتمى عن صاحب الكلمة الأخيرة في بيته هو أم زوجته ؟ردّ خاتمى قائلا: ” أنا والكلمة الأخيرة هي “، نعم سيّدتي: ” وقد كانت الثّورة الإسلاميّة نتيجة لمشاركة شعبيّة واسعة لفئات نّسائية نزلت إلى الشّوارع إلى جانب الرّجال بكافة أطيافها إذ لم يكن هنالك فرق في ذلك الوقت بين المتديّنات واليساريّات وربّات المنازل والطّالبات…كلّ هذه الفئات النسائيّة خاطرت بأرواحها من أجل إسقاط النظام الشاهنشاهي.
كما يجب أن لا ننسى أبدا أن من كانت الناطق الرسمي باسم الطلبة الإيرانيين بين سنتي 1979و1980 أثناء حصار السّفارة الأمريكية في طهران هي امرأة وهي معصومه ابتكار التي كانت تقود العمليّة مع بقيّة الطلبة الثوريّين.
كما استشهدت 600 امرأة يوم الجمعة الأسود في 8 أوت 1979.وتأسّست بعد ذلك الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة عند سقوط نظام الشاه وتغيّرت بتأسيس هذه الجمهوريّة ملامح كل المجتمع الإيراني بكامل مؤسساته وفئاته بما في ذلك النّساء والرّجال.
وقد صاحب ذلك انتقادات إعلاميّة شديدة وجّهت إلى وضع المرأة في النّظام الإيراني ممّا رسم صورة نمطيّة في ذهن العديد من البلدان لوضع المرأة الإيرانية في ظلّ الجمهوريّة الإسلامية.
وقد كان الحجاب الهدف الأوّل للانتقادات الشّديدة والحملات الإعلاميّة الشّرسة التي قادتها القوى الدّولية تجاه وضع المرأة في ظلّ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية.
ولكنني أعتقد أنّ ما هو هام ليس الحجاب، المهمّ ليس المظهر الخارجي للمرأة بل الأهم هو حقوقها المدنية والسّياسية التي يقرّها الدّستور بلا تمييز مع الرجل وهذه الحقوق لا تقلّ قيمة عمّا يوجد في البلدان الأخرى.
في السّنوات الثّماني من الحرب الإيرانية-العراقية لعبت كذلك المرأة في إيران دورا هاما في الدّفاع عن البلاد بإسناد الرّجال الذين كانوا يقاتلون في الجبهات وقد كان العبء الأكبر ملقى على عاتق المرأة في هذه الحرب المفروضة على الثّورة فقد كنّا نراها مضحّية، متطوّعة،قادرة على أن تدير دفّة الحياة بينما كان الرّجال ومعظم الشّباب يدافعون عن الوطن في ساحة القتال.
لذلك كان للمرأة دور هام في تغيير الأجواء السّياسية في إيران حيث استطاعت ان تدخل فائزة هاشمي إلى البرلمان في دورته الخامسة بأصوات تجاوزت أصوات رئيس البرلمان ورجل الدّين البارز ناطق نوري.
كما أن انتخاب خاتمى رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية في 23 ماي 1997 قد كان نتيجة لمشاركة نسائيّة واسعة ساندته فارتفع في فترة حكمه عدد النّائبات والوزيرات والمديرات في مناصب الدولة. وتقلّدت زهراء شجاعي منصب مستشارة وزير التربية والتعليم ومنصب مستشارة وزير الداخلية في عهده وهي كذلك مستشارة الرئيس لشؤون المرأة.
وعلى الرّغم من وجود تباين في الآراء بين علماء الدين حول قضيّة اجتهاد النّساء، يجب ان نشير الى ان آية الله علي خامنئي مرشد الثورة يسمح للنّساء بتقليد المجتهدات في الشؤون الفقهية، ولا يسعني أن أذكر هنا الفقيهة المجتهدة السيدة الأصفهاني مفسّرة القرآن والتي توفّيت بعد سنوات من الثورة الإسلامية ومرقدها اليوم في مدينة أصفهان.
وبالرغم من وجود اختلاف في الحوزات العلميّة بين وجهات النظّر في إيران بشأن وصول النّساء إلى المناصب العليا كمنصب القضاء أو مقام الولاية فان ذلك لم يمنع وجود نساء في مجلس تشخيص مصلحة النظام.
وادرك الإصلاحيّون في إيران في كل مرة يعزمون فيها خوض المعركة الرئاسية أنّ خطابهم يجب أن يوجّه إلى المرأة بالدّرجة الأولى ليس باعتبارها نصف المجتمع حسب المفهوم السّياسي التقليدي بل انطلاقا من مبدأ تحدّي التّيّار المحافظ الذي ساد خاصة تحت حكم محمود أحمدي نجاد والذي عارضته الإيرانيات في أكثر من مناسبة،وقد نجح الإصلاحيون في استقطاب النّساء وكانت مشاركة النّساء في انتخابات 2013 قويّة ممّا أمّن وصول الاصلاحيّين إلى الحكم في 14 جوان 2013 وقاد الرّئيس حسن روحاني معركة إصلاحيّة داخل مؤسّسات الدّولة تتضمّن حماية الحرّيات الفرديّة والانفتاح بهدف تأسيس مجتمع مدني تكون المرأة شريكة فعليّة فيه،وقد عيّن الرئيس حسن روحاني ثلاث نساء في حكومته في منصب نائب الرئيس:
– معصومة ابتكار نائبة الرئيس حسن روحاني لتكون أوّل امرأة تشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في إيران. وهي كذلك رئيسة منظمة حماية البيئة منذ 10سبتمبر 2013 وقد شغلت نفس هذا المنصب الأخير في عهد الرئيس محمد خاتمي بين 1997-2005.
– الهام أمين زاده نائب رئيس الجمهورية للشؤون القانونية وهي أستاذة في القانون الدولي ونائبة سابقة في البرلمان.
– شهنيدخت مولاوردى نائبة رئيس الجمهورية مكلّفة بشؤون المرأة والأسرة وهي حقوقيّة وناشطة نسويّة قوية انتقدت بشدّة في 14 جوان 2013غياب وزيرة في حكومة روحاني واقترحت قانونا يضع نسبة 30 في المائة من النّائبات في المجلس وقد وقع رفض هذا المقترح في جوان 2015 من قبل مجلس تشخيص مصلحة النّظام بفارق صوتين فقط في التّصويت وقد طلبت نائبة الرّئيس شهنيدخت مولاوردى من القائد أن يتدخّل ويتّخذ قرارا للفصل في الموضوع لكن العديد من النّاشطات في مجال حقوق المرأة لم ينتظرن التّصريح بالقرار وأطلقن حملة كان شعارها هو التالي: “. من أجل القطع مع برلمان ذكوري “.
كما عيّن الرئيس روحاني العديد من النّساء برتبة مستشارات لدى الوزراء ومديرات عامّات لشؤون المرأة أو مديرات للعلاقات العامّة في الستّة عشرة من بين الثّمانية عشرة وزارة باستثناء وزارتي الاستخبارات والأمن الوطني ووزارة العمل.كذلك وقع تعيين الكثير من النّساء في منصب مستشار بلدي أو منصب رئيس المجلس البلدي كسميحه ݐالوشزاهى في سربز وعيّنت الحكومة امرأتين في منصب محافظ وهما: معصومة ﭘرندور في هامون وحميره في قصر القند ومنح الرّئيس روحانى في 8 نوفمبر 2015 السّيدة مرضيه أفخم منصب السّفيرة لدى ماليزيا وهي أوّل إيرانية تتولّى منصب سفير بعد أن شغلت منصب المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية منذ 29أوت 2013وكانت طرفا فاعلا في المفاوضات النووية إلى جانب وزير الخارجية جواد ظريف والتي أسفرت عن توقيع اتفاق إيران مع مجموعة 5+1 في 14 جويلية 2015.وارتفع عدد النّساء في البرلمان الإيراني في أعقاب الانتخابات البرلمانية 2013التي فازت فيها 18 امرأة بمقاعد في البرلمان,وطلب الرئيس روحاني في 2أوت 2016 مراجعة ثلاثة ألاف وظيفة عمومية في سوق الشغل وفحص ما اذا كان فيها تحيّزا لصالح الرجال لتعديله.كل هذه المعطيات تدلّ على أن المشاركة السّياسية للمرأة في إيران قد تحقّقت في وقت لم تحقّق فيه العديد من دول الجوار هذه النّسب. والأهمّ من ذلك فان المرأة الإيرانية تشكّل أكثر من 70%من العدد الإجمالي للطلبة في البلاد، وهذا يدلّ على أن المستقبل واعد للنّساء في إيران,ولكن لماذا يحصل كل هذا الشغب وكل هذا الغضب اليوم في سنة 2022؟
بفوز رئيسي في انتخابات 2021 عاد المحافظون الإيرانيون إلى السلطة بعد ثماني سنوات من حكم الإصلاحيين بقيادة حسن روحاني.
فاز المرشح إبراهيم رئيسي بحصوله على 61,95% من الأصوات، فيما بلغت نسبة المشاركة في عملية الاقتراع 48,8 بالمئة، وهي الأدنى لاستحقاق رئاسي في تاريخ الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1979.
وعند خلافة ابراهيم رئيسي الرئيس المعتدل حسن روحاني الذي لا يحق له دستوريا الترشح لولاية ثالثة متتالية يرجع النضال النسوي باكثر قوة، فالعديد من الملاحظين يرجعون خسارة رئيسي في انتخابات 2017 أمام روحاني، على رغم نيله 38% من الأصوات الى عدم التصويت النساء له..
وقد عزز فوز رئيسي إمساك التيار المحافظ بمفاصل هيئات الحكم، بعد فوز هذا التيار كذلك في انتخابات مجلس الشورى (البرلمان).
ورغم ما سجّلته النّساء الإيرانيات من تقدّم واضح في مجال المشاركة السّياسية خلال السّنوات الماضية حيث تمكّنت العشرات منهنّ من الفوز بعضويّة البرلمان على مدى دوراته السّبع السّابقة فضلا عن دورهن البارز في الفوز الذي حقّقته القوى الإصلاحيّة في الانتخابات 2013الرّئاسية والبرلمانية إلا أنّ النّخبة من النّساء في إيران يؤكّدن أن حياة المرأة في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة كلّها مقاومة خاصة عندما يكون المحافظون في سدة الحكم، مثلما هو الشان اليوم، اي منذ انتخابات 2021 لان ما تحقّق في المجال القانوني والسّياسي هو أقلّ بكثير ممّا تستحقّه وتطمح إليه المرأة الإيرانية.
لذلك فإن الانتقادات في إيران هي يوميّة وقد شملت مجالات الإرث والتّمييز في مجالات العمل فهي ليست خاصّة بالمجتمع الإيراني وإنما هي تتعلّق بكل المجتمعات الذّكوريّة الشّرقية التي تحكمها نظم دينيّة لها اعتقاداتها وقوانينها الخاصة.
فليس هنالك توازن بين وضع النّساء ووضع الرّجال في معظم بلدان العالم لذلك فإن هذه الحقوق التي حصلت عليها المرأة في إيران لم تأت دون صراع طويل وتضحيات بذلتها وما زالت تبذلها نساء إيرانيّات رائعات، ولم يثبت على مدار تاريخ إيران ولو لمرّة واحدة أن المرأة الإيرانية قد استسلمت، لذلك تبقى المرأة الإيرانية مصدر إلهام لجميع نساء العالم لأنها كانت دائما القوّة الرئيسية الدّافعة الى الإصلاح والتغيير، انها.. ثورة وليست عورة. المرأة وطن، سيدة الحب، حاملة الوجع، تاج للصبر عجوز في عقلها، طفلة في روحها، ثورية في شبابها رجل بمواقفها، بالتالي لا يجب ان يستهان بقوتها …