بقلم : حذامي المحجوب
رئيس التحرير
المهمَ أن نزداد حكمةً كلّما عظمت قوتنا..
الاستقامة هي السياسة الفضلى.
و لكي تكون ثورياً عليك أن تكون إنساناً، ما يعني أن عليك أن تهتم بمن لا يملكون سلطة.
اليوم، تاريخ جديد يتأسس، هنالك تقارب غير مسبوق بين الشعبين التونسي والجزائري بدءا من الإشعاع الثقافي للزيتونة مرورا بالكفاح المشترك ضد الاستعمار الفرنسي وصولا إلى التحديات المشتركة في بناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال.
لقد احتضنت تونس العديد من المثقفين الجزائريين والبعض من رموز الثورة الجزائرية التي انطلقت منذ 1نوفمبر 1954، هؤلاء الرموز قصدوا تونس للتعلم في رحاب جامع الزيتونة المعمور في حركة مقاومة ثقافية فعلية، وكرد فعل على سياسة التغريب والفرنسة التي اتبعتها فرنسا تركيزا لمشروعها الاستيطاني الذي يهدف إلى ترسيخ اللغة والثقافة الفرنسيتين حتى في البوادي والأرياف.
صحيح انه حوالي مليون ونصف المليون شهيد وأكثر من 600 ألف سجين في السجون والمعتقلات ذهبوا ضحية المقاومة العسكرية، لكن لم تقتصر مقاومة الجزائريين للاستعمار الفرنسي على البعد العسكري بل كان البعد الثقافي الحضاري من اهم مجالات المعركة ضد المستعمر الذي عمل على محو اللغة العربية وتشويه ومسخ الهوية الجزائرية، من هؤلاء المثقفين نجد الشيخ بن باديس، مفدي زكرياء، محمد سعيد الزاهري، محمد عابد الجلالي، الطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة، عبد المجيد الشافعي وغيرهم…
قاوموا هذا الاستعمار الثقافي الذي دام قرن ونيف، ولم تستقل الجزائر إلا في 5 جويلية 1962.
كانت تونس في كامل هذه الفترة الطويلة من الاستعمار مركز عمل وتنظيم وتدريب وتخطيط للثوار الجزائريين أثناء ثورة التحرير الوطني، كان السلاح يدخل منها وعبرها إلى الجبهات في جبال الجزائر.
هذه الجذور التاريخية العميقة وهذا الماضي المشترك جعل كلا من البلدين يولي اهتماما خاصا بعلاقاته الاستثنائية والمتميزة بالبلد الآخر.
بعد استقلال البلدين أخذت العلاقات التونسية الجزائرية منعرجات متعددة لاختلاف تصور القيادات السياسية للبلدين لكيفية بناء دولة الاستقلال.
كان مشروع بورقيبة السياسي مختلفا عن الشقيقة الجزائر وعن اختيارات قيادتها آنذاك ورغم ذلك كانت العلاقات مقبولة ومعقولة عموما.
ولم يخرج بن علي خلال فترة حكمه عن روح الدبلوماسية التونسية التي تقوم على الحياد وعلى الحفاظ على علاقتها التاريخية مع الجزائر.
وقد أظهرت الجزائر بعد سقوط نظام بن علي في 14 جانفي 2011 حرصا كبيرا على حماية نفسها من هذا الطوفان الذي سمي بثورات الربيع العربي والذي أطاح بعروش بعض الأنظمة العربية، وكانت الجزائر متخوفة من تصدير الثورة خاصة على اثر احتجاجات جانفي 2011 التي وقعت في الجزائر كرد فعل على أسعار النفط وغلاء المعيشة، مع ان الجزائر قد خبرت الإرهاب والجماعات الإسلامية وعرفت عشرية سوداء في التسعينات لذلك جعلت الأمن في أولوياتها خاصة بسبب الأسلحة المتدفقة من ليبيا أثناء حكم الترويكا ومشكلة الساحل والمجموعات الإرهابية.
لذلك شددت في هذه المرحلة على أهمية هذا الجانب في علاقتها بتونس تحسبا لكل الأخطار.
كانت العلاقات بعد 14 جانفي رفيعة المستوى على كل الاصعدة إلى درجة ان كل حكومة كانت تتشكل بعد 2011 يختار رئيسها مباشرة بعد تنصيبه التوجه إلى الجزائر كاول وجهة خارجية له ( من حمادي الجبالي إلى الحبيب الصيد إلى مهدي جمعة إلى يوسف الشاهد …)، هذا ما جعل الجزائر تمنح تونس هبة بقيمة 10 ملايين دولار وقرضا بقيمة 40 مليون دولار سنة 2014.(هذه الارقام التي ظهرت بصفة رسمية لكن مصادرنا تؤكد ان مبلغ الهبة كان يفوق هذا الرقم بكثير.
على اثر انتخابه رئيسا للجمهورية في 2019 توجه قيس سعيد في فيفري 2020 كذلك إلى الجزائر كاول وجهة وكان ينتظر بعدها استقبال الرئيس عبد المجيد تبون في تونس الا ان الزيارة تاخرت وتاجلت إلى اليوم بسبب ما سببته جائحة الكوفيد 19 من غلق وتباعد ومشاكل داخلية.
بعد 25 جويلية وقرارات قيس سعيد تجميد البرلمان واقالة الحكومة كشفت تحركات دبلوماسية جزائرية مكثفة قلق الجزائر من فقدان دورها في المنطقة لصالح دول غربية او عربية داعمة للتغيرات في تونس.فلقد زار رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري تونس 3 مرات خلال شهر جويلية كما تحول إلى مصر، وقد كانت كل هذه الزيارات تحت عنوان بعث التعاون بين البلدين والتباحث في قضايا المنطقة الا انه كان من الواضح انه في كل مرة ينقل رسائل الرئيس الجزائري إلى قيس سعيد خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي الذي تريد ان تلعب دورا هاما بشانه بعد ان تهاونت نوعا ما من الاهتمام به بسبب انشغالها بشؤونها الداخلية بما هو موصول بالحراك الذي شهدته خلال السنوات الاخيرة والذي سقط على اثره نظام بوتفليقة وتنظيم الانتخابات على اثره وادخال تعديلات على الدستور.
زيارة نجلاء بودن رئيسة الحكومة التونسية إلى الجزائر كانت اختبارا للوعود الجزائرية المتعلقة بالدعم المالي والاستثماري لتونس ولم تكن رئيسة الحكومة مكلفة بالخوض في اي موضوع خارج ملف التعاون الاقتصادي والاستثماري وقد تلت هذه الزيارة رحلة الوزير الاول الجزائري ايمن عبد الرحمان إلى تونس منذ اسبوع تقريبا.
عبد المجيد تبون يحل اليوم 15 -16ديسمبر 2021 بتونس في زيارة دولة مرفوقا بوفد رفيع المستوى.
الجزائر تمنح تونس قرضا ب300مليون دولار اي 840 مليون دينار تونسي، وقد أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد، مساء الأربعاء بقصر قرطاج، بمعية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على مراسم توقيع 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين.
شملت هذه الاتفاقيات وفق بلاغ من رئاسة الجمهورية مجالات العدل والمؤسسات العمومية والداخلية والتعاون والاتصال والإعلام والصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة والبيئة والتجارة الخارجية والثقافة والشؤون الدينية والطاقة والتكوين المهني والصيد البحري والتشغيل والمرأة والطفولة والمسنين والشباب والرياضة والتربية والصحة.
جميل كل هذه الاتفاقيات الثنائية والمساعدات من قبل الحكومة الجزائرية وقد تزامنت بفوز كل من الفريق القومي التونسي والفريق القومي الجزائري وترشحهما للتنافس على كاس بطولة العرب في جولة نهائية..
لكن لا يخفى على احد ان تونس اليوم تعيش ازمة مالية حادة وخانقة وانقساما في المواقف السياسية تجاه ما اقدم عليه قيس سعيد في 25 جويلية وتمديده في المرحلة الاستثنائية،
الجزائر اليوم تبحث عن انسجام في مواقفها مع تونس ازاء القضايا الاقليمية والدولية وهذا من حقها، فهل ستبحث الجزائر في انسجام موقفها فيما يخص الملف الليبي فقط ام انها ستبحث عن استمالة تونس إلى مربعاتها الاقليمية في علاقتها بفرنسا وفي علاقتها خاصة بالمغرب وهل ستبحث عن اعتراف تونسي بالصحراء ؟
المهمّ وما نامل، ان نزداد حكمةً كلّما عظمت قوتنا.
شكرا لهذا المقال التام و الجامع عن العلاقات التونسية الجزائرية منذ منتصف القرن الماضي إلى اليوم.
لي ملاحظة بسيطة. لم يقع ذكر الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين و الذي يعتبر الأب الروحي لحركة التحرير و حرب الاستقلال.
في جملة واحدة لخص الشيخ الإبراهيمي دوافع الشعب الحزائري في التخلص من الإستعمار “شعب الجزائر مسلم و إلى العروبة ينتسب”..