بقلم – حذامي محجوب
منذ توليها منصب رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي في 22 أكتوبر 2022، انتهجت جورجيا ميلوني إستراتيجية واضحة لتعزيز نفوذها في الإعلام العام والثقافة.
هذه الخطة تمثل جزءًا من مشروع اليمين المتطرف للحفاظ على السلطة.
في إيطاليا، تحظى ذكرى عيد التحرير في 25 أفريل، التي تحتفل بنهاية الاحتلال الألماني والفاشية، بمكانة خاصة، لكن ميلوني تشارك كعادتها هذا العام في الاحتفالات على مضض، وتلقي خطابًا سريعًا دون ذكر كلمة “المقاومة”. هذا الموقف ليس مستغربًا من ميلوني، التي سبق ان عبرت عن إعجابها بالزعيم الفاشي موسوليني ورفضت إعلان مناهضتها للفاشية رغم الضغوط.
في ميلانو،كانت الأجواء مختلفة تمامًا. اجتمع المناهضون للفاشية في ساحة “بيازا ديل دومو”، حيث خاطب الكاتب أنطونيو سكورات الجماهير مؤكدًا على أهمية مناهضة الفاشية.
سكورات، الذي أُلغي بث خطابه على قناة راي RAI 3 بشكل مفاجئ، أصبح رمزًا للمقاومة ضد استبداد الحكومة، مشددًا على مخاطر الشعبوية اليمينية المتطرفة.
تتباين صورة ميلوني في الداخل والخارج. فهي تظهر كسياسية غير متطرفة تدعم أوكرانيا وتسعى لتعزيز المصالح الأوروبية، بينما في الداخل، تفرض رؤيتها على المؤسسات الثقافية.
منذ توليها المنصب، نفذت ميلوني تغييرات واسعة في المتاحف، والمهرجانات، والمسارح، بتعيين اتباعها وأنصارها في اهم المناصب الثقافية.
ترى ميلوني في هذه الإستراتيجية وسيلة لتعزيز “هيمنة ثقافية جديدة” لمواجهة الهيمنة التي تدعي أن اليسار يمارسها.
تستمد هذه المقاربة من المفكر الماركسي أنطونيو غرامشي، الذي أشار إلى أن السيطرة على العقول تسبق الانتصارات الانتخابية.
كما ان ميلوني، المعروفة بتفضيلها للكنائس على الفن المعاصر، قامت بتعيين الصحفي اليميني أليساندرو جيولي لإدارة متحف MAXXI، رغم عدم خبرته في المجال الفني.
فرضت كذلك وزارة الثقافة جيرونيمو لا روسا على مجلس إدارة مسرح بيكولو في ميلانو، في مؤشر على الاعتماد على الولاءات بدل الكفاءات.
كما أدت تعيينات ميلوني في بينالي البندقية إلى جدل واسع، حيث وضعت بيترو أنجيلو بوتافوكو، المعروف بماضيه الفاشي، على رأس المهرجان.
هذا القرار اعتبره النقاد تهديدًا للنظام البيئي الهش للمهرجان.
أما عن وزير الثقافة، جينارو سانجوليانو، فهو يدعم ميلوني بقوة، معتقدًا أن الثقافة اليسارية أقصت اليمين لسنوات.
بصفته مديرًا سابقًا لنشرة الأخبار في RAI 2، يعرف سانجوليانو الإعلام العام جيدًا ويعتبر التلفزيون، الذي يشاهده 96% من الإيطاليين، أداة أساسية لتشكيل الرأي العام.
تحت سيطرة ميلوني، تعرضت برامج راي RAI 3 لانتقادات حادة، حيث تم حذف العديد منها واستبدالها بأخرى تتماشى مع نهج الحكومة.
الضغوط السياسية داخل قناة راي RAI لا تزال قوية، مما يجعل من الصعب على العاملين هناك انتقاد الحكومة بشكل علني.
في مواجهة هذه التحديات، يبدو أن ميلوني تعتمد على تعزيز هيمنة ثقافية وسياسية لتمهيد الطريق أمام انتصاراتها المستقبلية، مستخدمةً الثقافة والإعلام كسلاح رئيسي في معركتها للبقاء في السلطة بعد ان فشلت في تحقيق منجزات للإيطاليين لا سيما فيما يتعلق بمسالة الهجرة الغير نظامية.
نحن على بُعد يومين فقط من الانتخابات الإيطالية، والترقب يبلغ ذروته، خاصة وأن استطلاعات الرأي تتوقع أن تُحقق الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة مكاسب كبيرة في الانتخابات، التي دُعي للمشاركة فيها حوالي 370 مليون ناخب في 27 دولة خلال الفترة من 6 إلى 9 جوان الحالي.”
فهل ستنجح حفيدة موسوليني من العبور بقوة خاصة وانها قد رفعت شعار المرحلة: “لدينا هدف واضح، نريد أن نفعل في بروكسيل ما فعلناه في روما ” !.