تابعت منذ ايام لقاءا صحفيا، أجرته قناة العربية مع السيدة رغد صدام حسين نجلة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمة الله عليه.
بعيدا عن مضمون هذا اللقاء وعن تقييمه ،اكتفي بتسجيل ما قامت به السيدة رغد صدام حسين من اماطة اللثام عن الكثير من الابعاد الانسانية الرائعة لوالدها، خاصة وقد عهدنا ان العديد من القنوات والصحف والمواقع قد تفننت في تقديم صدام حسين في صورة دكتاتور القرن الذي نكل بشعبه والمستبد الذي اطلق اولاده لسيما عدي وقصي رحمهما الله على الشعب العراقي، وانه كان وعائلته يعيش حياة الترف والبذخ .وهي مزاعم سمعناها كذلك على العديد من الرؤساء كالقائد معمر القذافي والرئيس حسني مبارك والرئيس زين العابدين بن علي رحمهم الله جميعا.
ما شدني الى هذا اللقاء، ان السيدة رغد في حوارها على قناة العربية ركزت على المشاعر الانسانية التي كان يحيط بها صدام حسين جميع افراد عائلته ، كذلك القيم السامية التي حرص عل زرعها في ابنائه، فقد كان يؤكد لهم دائما ان معيشتهم بصفتهم عائلة الرئيس العراقي لايجب ان تنفصل عن حياة الاغلبية من الشعب العراقي او ان تكون بعيدة عن هموم العراقيين.
وقد ذكرت على سبيل الذكر لا الحصر ان والدها قد منع عنهم شرب الكوكا كولا أثناء الحرب العراقية-الايرانية وامرهم بالالتزام بما هو متوفر فقط آنذاك للشعب العراقي، وقد اكدت هذا الكلام كذلك ابنتها السيدة حرير حفيدة صدام حسين في مذكراتها المعنونة “حفيدة صدام”.
ذكرتني هذه الحادثة بما حصل بعد 14 يناير 2011 في تونس من شيطنة وتشويه للرئيس السابق المرحوم زين العابدين بن علي بعد خروجه من تونس ولجوئه الى المملكة العربية السعودية .صحيح انه قد حكم البلاد بقبضة من حديد وانه كان مستبدا وشديدا مع المعارضة، لكن هل يعقل ان يقدم على انه “لص” يخفي الاموال بقصره؟ وان لا يتحدث أحد عن زيارة كوندوليزا رايس الى تونس ولقائها به في سبتمبر 2008، هذه الزيارة التي على اثرها حسمت الادارة الامريكية في الرئيس الاسبق لتونس، كذلك في العقيد معمر القذافي الذي التقته وزيرة الخارجية الامريكية في جولتها المغاربية قبل قدومها الى تونس ؟
ان الاموال التي تم العثور عليها في قصر سيدي بوسعيد خلال شهر فبراير 2011 في مكتبة الرئيس الاسبق والتي اشرفت عليها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد بمقر سكنى الرئيس السابق بسيدي بوسعيد يوم 19 فبراير 2011، والتي مر عليها عقد من الزمن ستظل لغزا غامضا خاصة بعد وفاة الاستاذ عبد الفتاح عمر رئيس هذه اللجنة في ظروف غامضة وتصريحات وزير الداخلية الاسبق فرحات الراجحي اليوم، هذا الوزير الذي كان على راس هذه الوزارة في الفترة التي حصلت فيها هاته العملية وقد اكد في هذه التصريحات ان حجز الاموال في قصر سيدي الظريف المملوك للرئيس الاسبق زين العابدين بن علي كان مجرد مسرحية من قبل الهيئة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد.
ورغم ان هذه المبالغ المالية قد شاهدها كل التونسيين عبر وسائل الاعلام تنتقل الى البنك المركزي التونسي بناء على طلب اللجنة المذكورة التي تم احداثها بمقتضى المرسوم عدد 7 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فبراير 2011 كما تعهدت السلطة القضائية بعد ذلك بهذا الملف وبتاريخ 24 فبراير 2011، أذن السيد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس بما ارتآه صالحا من اجراءات ومن ضمنها خصوصا تسخير خبراء تولوا مباشرة جميع المعاينات والاجراءات اللازمة بمقر البنك المركزي التونسي.
وقد تم تنزيل قيمة المبالغ المذكورة بالحساب الجاري للخزينة ثم صدر في هذه القضية الحكم عدد 23004 بتاريخ 20 يونيو 2011 الذي قضى باستصفاء المبالغ المالية المذكورة لحساب صندوق الدولة وطويت صفحة اموال مغارة القصر. لكن اليوم وبعد عقد من الزمن وبعد ان توفي الرئيس ودفن في بقيع الغرقد أقدم مقبرة إسلامية في المدينة المنورة منذ عهد النبي محمد، ودفن فيها، بحسب روايات تاريخية، أفراد كثيرون من عائلة النبي والصحابة.
يتساءل التونسيون عن حقيقة هذه الاموال، هل كان الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بحاجة الى اخفاء اموال في مكتبته؟ هل كان قصر ه فعلا مغارة علي بابا؟ هل هو فعلا من نهب كل هذه الاموال؟ ما سر انتقال هذه الاموال ؟ الكثير من التونسيين اليوم يعتقدون ان اموالا كبيرة قد تحولت من البنك المركزي الى القصر وفق خطة محكمة وليس العكس؟ فمن حول هاته الاموال؟ ولصالح من؟ وهل ان تحويلها يدخل فيماسمي بمشروع الربيع العربي؟ الكثير من التونسيين يعتقدون ان كل ما فعلته السلطة القضائية هو قانوني ولكن الكل يعرف ان القضاء ينطلق من معطيات، وفي قضية الحال كان بناء على معاينة اموال مرصودة في القصر. فمن وضع هذه الاموال في مكتبة الرئيس ؟ ان كانت وضعت فعلا؟ عن كل هذه الاسئلة ننتظر اجابة من التاريخ، لانه الى اليوم تظل هذه الفترة غير واضحة ، وتظل الحقيقة غير معلومة.
فكم طالت التشويهات الكثير من الرؤساء وكم حاولت الدعايات المأجورة والمغالطات المدفوعة الثمن ان ترفع من قيمة الوصوليين وزعماء الصدفة. فلا منصف غير التاريخ لعله يصدح بكلمته يوما. الم يُقل، لو أردت فهم الحاضر فادرس الماضي فهناك كلّ الحقيقة!.
حذام محجوب رئيس التحرير