بقلم د. محمد الناصر بن عرب
إن معاداة السامية وكره اليهود في أوروبا وروسيا وأمريكا كما عرضنا أسبابها في الجزء الأول، دفعت اليهود للجوء إلى وطن قومي يهودي على أرض ليست أرضهم لأن فلسطين أرض الشعب الفلسطيني ويهود أوروبا وروسيا وأمريكا لا علاقة لهم بأرض فلسطين لأنهم اعتنقوا الدين اليهودي خارج فلسطين.
فهم يزعمون أن فلسطين هي أرض الميعاد بينما هم لم تطأ أقدامهم أبدا فلسطين.
وبفضل وعد بلفور كما ذكرنا تم منح الحركة الصهيونية الحق في تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. ووفد اليهود الذين عانوا من الذل والهوان والميز العنصري في أوروبا وروسيا على فلسطين أفواجا وتم تهجير الفلسطينيين بالحديد والنار حيث دُمِّرت بيوتهم ومدنهم وقراهم وقامت المنظمات الصهيونية بمجازر رهيبة شنيعة لا مثيل لها قتلت آلاف الفلسطينيين منذ الثلاثينيات…مثلما تفعله قوات الاحتلال الصهيونية اليوم في غزة.
الطائرات الصهيونية تقذف لهيبها على الديار والبيوت يهدم فوق كل من يعيش فيها وتدمر الطائرات المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات ويفر أهل غزة من الموت في البرد والريح والمطر…وتصمد المقاومة.
اغتيال الكونت برندوت وسيط السلام للأمم المتحدة يوم 17 سبتمبر 1948:
أما عصابة إشتارن اليمينية المتطرفة الإرهابية التي أسسها ابراهام إشتارن، علاوة على محاولاتها لاغتيال البريطانيين وقتل الفلسطينيين، كانت تطالب بدولة تمتد من النيل إلى الفرات. ولما اغتالت بريطانيا ابراهام إشتارن سنة 1942 تجمع حلفاؤه تحت لواء عصابة تدعى لاهي التي اشتهرت بعملياتها القتالية ضد البريطانيين وضد عرب فلسطين وقامت باغتيال الكونت بارندوت السويدي،وسيط السلام الأممي سنة 1948 بالقدس في فلسطين.
تحول الكونت برندوت إلى القدس بفلسطين لتسوية الخلاف القائم بين الفلسطينيين واليهود في شأن تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة إسرائيلية. ولقد قدَّم برندوت وفريقه إلى الطرفين اقتراحا لدمج الدولتين في اتحاد اقتصادي وإعادة رسم خريطة حدود الدولتين واقترح أيضا ان تكون القدس جزءا من الأراضي العربية. وافترضت خطة السلام أنه سيتم السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم واسترجاع ممتلكاتهم.
وفي تقريره أشار برندوت ما رآه من خراب وتدمير في القرى والبيوت الفلسطينية التي حطمتها عصابة إشتارن بعلم من قوات الاحتلال الصهيونية. وقد هجرها أهلها هروبا من المجازر الوحشية التي ارتكبها الصهاينة.
فأثارت هذه الاقتراحات غضب اليهود واتفقت عصابتا إرغون التي يرأسها مناحيم بيغين وإشتارن برئاسة إسحق شامير على اغتياله ونفذت عملية الاغتيال 17 سبتمبر1948.
بعد دعمها لتأسيس الوطن القومي لليهود بفلسطين وجدت بريطانيا نفسها هدفا للعصابات الصهيونية مثلما وقع في تفجير نزل الملك داود بالقدس، المقر الرسمي للمصالح المدنية والعسكرية والذي أدى إلى أكثر من مائة قتيل.، فقررت بريطانيا التخلي على الانتداب بفلسطين طالبة من الأمم المتحدة التدخل لحسم الأمر بين اليهود والفلسطينيين.
وبعد بضعة أشهر قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين في نوفمبر 1948 وقيام الدولة الصهيونية. فحال خروج بريطانيا في شهر ماي1948 من فلسطين أعلن اليهود دولتهم التي اعترفت بها أمريكا بعد عشرين دقيقة وكأن الدول الغربية اكتسبت مكسبين عظيمين من إقامة هذا الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية الأول أنها تسلم من شرور اليهود وسيطرتهم وفسادهم وتحكمهم في البلاد وثرواتها والثاني أنها تضع في قلب الأمة الإسلامية دولة حليفة لهم وهي في نفس الوقت تنشر بذور التفرقة والخلافات والهزيمة بين العرب والمسلمين لأن لا تقوم لهم بعدها قائمة. وبقدر ما يرفض الفلسطينيون تقسيم فلسطين يُصِرُّ الصهاينة على تأسيس دولة يهودية بحتة. فتواصل طرد الفلسطينيين خارج فلسطين وتمَّ تخريب وهدم بيوتهم وقراهم واحتل واستقر الصهاينة مكانهم رغم قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين.
واستحوذ الكيان الصهيوني على كافة الأراضي الفلسطينية منذ 1948 باستثناء الضفة الغربية وغزة التي لم يهجرها الفلسطينيون تماما. لكن الكيان الصهيوني يواصل احتلالها وقمعها لضمها نهائيا إلى الكيان الصهيوني الذي يعتبر أن فلسطين ليست فلسطين إنما هي إسرائيل التي وردت في التوراة كما يزعمون.
ونشاهد اليوم إجرامهم اللاإنساني كما اقترفوه قبل وبعد تأسيس الكيان الصهيوني سنة 1948.
في الحقيقة إن يهود الكيان الصهيوني ليس لديهم كلمة شرف. هم أولاد الأفاعي، إذا اقتربت منهم يلدغك بأنيابها على الفور، فهم السم الناقع بسبب كل ما فعلوه بأبناء فلسطين.
يفتخرون بانتمائهم إلى شعب الله المختار لكنهم لا يستحقون أن يكونوا أبناء لإبراهيم. فهم منافقون يُدَرِّسون في مدارسهم كره الفلسطينيين والعرب والمسلمين وهم سفاحو دماء وسوف يقاضيهم الله لما يقترفونه من جرائم وقتل وسفك دماء الفلسطينيين وتهجيرهم. وإياك أن تتحاور معهم فإنه بلا جدوى ولا يمكن إصلاحهم بل يزدادون سوءا لأنهم أصل البلاء. إن ما أُخِذ بالقوة لا يُسْتَرَدُّ إلا بالقوة. ففلسطين أرض كنعان موطن الفلسطينيين. أما إسرائيل التوراتية فليست بأرض فلسطين وليبحثوا عنها في مكان آخر…
إن مقاومة الفلسطينيين بغزة اليوم قد أثبتت أنها قادرة على الانتصار وهزيمة الكيان الصهيوني. الشعب الفلسطيني بغزة والضفة الغربية يقاوم الاحتلال الصهيوني ببسالة وشجاعة مثالية رغم الاستشهاد والرعب والجوع والعطش. وهذا الشعب الذي عقد قادة العرب والمسلمين العزم على نُكرانه أثبت على قوته وإيمانه بالنصر. فالمقاومة الفلسطينية تدمر الجيش الصهيوني وآلياته الحربية المرعبة الفتاكة وتثبت أن المقاتلين في صفوفها قد استولوا على أساليب حرب العدو الصهيوني وتفوقوا عليه خصوصا أن العدو الصهيوني يقاتل في غزة بجيش مرتزقة من الدول الغربية في طليعتهم بريطانيا وفرنسا وأمريكا وبعض الدول العربية لتعزيز قواه مستعملا الأسلحة الفتاكة المتنوعة المهداة من أمريكا وفرنسا وألمانيا..
يشاهد العالم بأسره تدمير غزة بأكملها وقتل شعبها بعشرات الآلاف. ويبدو أن العالم كله متواطئ تماما مع جيش الاحتلال الصهيوني. إلا أن ما حصل في هذه الحرب لم يتحقق أبدا منذ تأسيس الكيان الصهيوني. فقد شاهد العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي تدمير بيوت غزة وبنيتها التحتية وهدم مدارسها ومستشفياتها وتشريد وقتل شعبها أطفالا وشبابا وكهولا وشيوخا وهذا كسب لمعرفة حقيقة الكيان الصهيوني الذي استمر في احتلال فلسطين واختراق كل الحقوق الإنسانية وظهر اليوم على حقيقته في حربه على غزة. فخرجت الملايين في شوارع أغلب دول العالم تساند الفلسطينيين، تنادي بوقف إطلاق النار على غزة ومحاكمة الجيش الصهيوني الذي تم الكشف أخيرا عن أكاذيبه في شأن احتلاله فلسطين.
علمنا الفلسطينيون في هذه المعركة الراهنة مدى جهلنا للقضية الفلسطينية واكتشفنا مدى كره اليهود للعرب والمسلمين وكيف يمول الكيان الصهيوني وسائل الإعلام العالمية للكذب أو للصمت على جرائم الكيان الصهيوني. واكتشفنا تورط وتواطؤ قادة الدول في العالم وفي الدول العربية والإسلامية في حرب غزة. علمنا الفلسطينيون الصبر والشجاعة والإيمان بالنصر وتحمل العطش والجوع والبرد وأمطار الشتاء وكل هذا رغم تحطيم بيوتهم أو طردهم منها أو الحوز عليها.
تمر الحرب على غزة وتترك صورا مرئية سوف تظل راسخة في أذهاننا فلا ننسى الصور التي نشاهد فيها مسافة الصفر والتي تحطم آليات الجيش الصهيوني وهذه الصور خرجت من غزة وأظهرت مدى صمود الشعب الفلسطيني ضد قصف طائرات ودبابات جيش الاحتلال.
مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده ضد وحشية الكيان الصهيوني أصبحت اليوم عبرة للضعفاء وعبرة للمضطهدين. واليوم تمكن العالم من معرفة القضية الفلسطينية وتفشت أكاذيب الكيان الصهيوني منذ سنة 1948 وما قبلها.
لم تكن فلسطين وطنا يهوديا بتاتا. ومدينة القدس أسسها العرب اليبوسيون الكنعانيون في الألف الثالث ق.م. ولما وصل بنو إسرائيل في القرن الثاني عشر ق.م استولى الإسرائيليون على المدينة بقيادة الملك داود وطردوا اليبوسيين في بلاد الشام. اعتنق بعض يهود فلسطين المسيحية أو الإسلام ومضى البعض الآخر يهودًا في فلسطين. أما الذين أسسوا الكيان الصهيوني فهم اليهود الأزكاناز الذين اعتنقوا الدين اليهودي في أوروبا وليس لهم علاقة بيهود فلسطين ولم تطأ أقدامهم فلسطين قبل تأسيس الدولة القومية اليهودية التي سموها إسرائيل تحت راية هرزل. ويكذبون عندما يقولون إنهم عائدون وفلسطين أرض ميعادهم. الكيان الصهيوني احتلال واستعمار. طرد الشعب الفلسطيني من فلسطين وحل محله وسمى فلسطين إسرائيل.
فحرب غزة اليوم ما هي إلا مواصلة مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والاستعمار الصهيوني لتحرير كامل فلسطين.