حقائق فلسطين وأكاذيب الكيان الصهيوني..

بقلم د. محمد الناصر بن عرب

نشاهد اليوم إبادة أهل غزة ولا يتحرك ساكن لأي دولة عربية إسلامية كم قالت إنها تساند حقوق الشعب الفلسطيني!.

ما زالت قوات الاحتلال الصهيوني تشن حربا شعواء على الشعب الفلسطيني من كل ناحية منذ أربعة أشهر.

تخيل أنك جالس في أمان في منزلك ثم فجأة بدون سابق إنذار تجد نفسك مضطرا للفرار خوفا من الموت.

 هذه وضعية إخواننا في غزة، يفقدون أحباءهم ومنازلهم.

 فلا ماء ولا طعام ولا دواء ولا كهرباء ولا مكان آمن في غزة. فهذا ما يعانيه مليونا فلسطيني ولم تأت الإغاثة من أحد. لا من العرب ولا من المسلمين ولا من الناس أجمعين الذين ينادون ليلا نهارا بحقوق الانسان… القصف يلاحقهم. يسقط بعضهم فيستشهد ويفر الآخر للجوء بين الركام أو تحت شبه خيام، في البرد والمطر، عطشانا وجوعانا…

 نحن اليوم نشاهد في غزة ما فعلته الصهيونية في فلسطين منذ وعد بلفور. تدمير البيوت والقرى والمدن الفلسطينية بغزة كما جرى لباقي أرض فلسطين منذ خمسة وسبعين سنة. يحطم قصف طائرات العدو الصهيوني المكثف البنية التحتية للمدن والقرى بغزة. فأصبحت أطلالا وركاما تضم أموات الأطفال والشباب والكهول والشيوخ ويفر منها كل حي يرزق كما فعلوا أجدادهم منذ أكثر من خمسة وسبعين سنة.

 يَدَّعِي العدو الصهيوني أن هجوم مقاومو حماس في السابع من أكتوبر هو انتهاك على دولة الكيان الصهيوني وصرخ للعالم أن الإرهاب الفلسطيني اقتحم دولتهم وفر برهائنهم فتضامنت الدول الأوروبية والأمريكية وأستراليا معهم ونسي هؤلاء أن الكيان الصهيوني لم يكن في الوجود قبل 1948 وأنه استعمر واستولى على فلسطين بقتل وطرد وهجر شعبها.

صمت إعلامهم على ما يقع من بشاعة وإبادة في غزة ولم يتحرك ساكن للأنظمة العربية والإسلامية لإغاثة الشعب الفلسطيني بغزة وكأن العالم أجمع اتفق عن هذه الإبادة.

إن ما يقع في فلسطين لا نفهمه ولا ندركه إلا بمعرفة التاريخ حتى نفرق بين الحق والباطل ونستنتج العبرة لمقاومة الاحتلال والاستعمار والاستبداد الصهيوني وتفكيك أكاذيبه. فلأمر مهم جدا لفهم القضية الفلسطينية. إذن لا بد من تصحيح تاريخ فلسطين القديمة التي تتطلب من عموم القراء إمعان الفكر مليا بالأدلة المقدمة والانفتاح عليها والتعامل معها بروح العلم لا العاطفة والاحكام المسبقة

كما يقول المفكر والباحث العراقي فاضل الربيعي.

ما هي الأسباب التي جعلت اليهود يرغبون في تأسيس دولة يهودية؟.

عانى اليهود من معاداة السامية والذل والهوان في أوروبا المسيحية وروسيا لكن هذا ليس سببا مبررا للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهجير شعبها بالحديد والنار واحتلالها وبناء دولة يهودية بفلسطين على حساب الشعب الفلسطيني وذلك بدعم مطلق من طرف البلدان الأوروبية الشرقية وفرنسا وأمريكا التي من أجلها قرر اليهود هجرتها نظرا لمعاداتهم للسامية منذ القرون الوسطى.

أسباب معاداة السامية في البلدان المسيحية:

تعود أصول معاداة السامية في المسيحية إلى اتهام اليهود بصلب السيد المسيح عليه السلام واضطهاد تلاميذه في القرون المسيحية الأولى. إذ أن اليهود حسب المسيحيين ارتكبوا وإلى الأبد خطيئة القتل الديني اليهودي أو القتل الإلهي فأدت تهمة القتل الديني اليهودي إلى الكراهية والعنف ضد اليهود وقتلهم في أوروبا وأمريكا وروسيا.

 كما أن نجاح اليهود في التجارة أثار الحقد والغيرة عند المسيحيين إذ أن بعض اليهود أصبحوا متميزين في الأعمال المصرفية وإقراض الأموال وبالتالي أصبحت تتراكم عندهم ثروة طائلة وكلما استحوذوا على الثروة صارت في أيديهم قوة اقتصادية تؤثر على السياسة والمجتمع مما أثار حقد فقراء المسيحيين اليهود فوقع طردهم من عدة دول أوروبية بما في ذلك ألمانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا خلال القرنين الرابع والخامس عشر لأن المسيحية لا تسمح بإقراض الأموال..

وبما أن المسيحيين يعتبرون أن سيدنا عيسى كان يهوديا قبل دعوته للمسيحية، كان من المفروض أن يتبع اليهود دعوة النبي عيسى للمسيحية ويتخلوا عن الدين اليهودي. لكنهم بقوا يهودا وخصوصا رفضوا الانتماء إلى الدين الجديد مما عزز المعاداة للسامية.

فأول محاولة لإقامة مملكة إسرائيل حدثت بين سنة 1525 و1532 عندما طلب اثنان من الحاخامات الكاباليين داود وفني وسالومون ملكو من ملك البرتغال يُوحنا الثالث وللبابا كيمنت السابع وللامبراطور الروماني المقدس شارل الخامس لمهاجمة الدولة العثمانية في فلسطين لتأسيس مملكة إسرائيل. فشلت هذه المحاولة ولكن المشروع لم يتم التخلي عنه. وبقدر ما اشتدت وتواصلت معاداة السامية وكره اليهود في أوروبا تيقن اليهود أن الحل الوحيد لا يتحقق إلا بتأسيس دولة يهودية.

وبرز تايدور هرتزل ( 1904-1860 ) إعلامي وكاتب نمساوي مجري.

أسس الحركة الصهيونية في مؤتمر بال بسويسرا سنة 1897 وألف “كتاب الدولة اليهودية” عام 1896 الذي يعرض على اليهود وضع أسس دولة يهودية.

يؤكد هرزل في هذا المؤتمر أن هدف الحركة الصهيونية “هو بناء وتوطيد دولة تعتمد على القومية، المبدأ الأساسي للصهيونية، تنكر الطابع المعياري للهوية اليهودية وتنكر ارتباطها بالولاء للتوراة” وأطلق على هذه الحركة اسم الصهيونية نسبة “لتل صهيون في القدس بفلسطين حيث أقيمت قلعة داود في العصور القديمة”…

ولم يقتصر هرتزل على ذكر فلسطين لإيواء الدولة اليهودية بل اقترح أيضا أوغندا الافريقية أو الارجنتين. وبما أن اليهود فضلوا فلسطين، أسس هرزل صندوق الاستيطان اليهودي لشراء الأراضي في فلسطين التي كانت تنتمي للدولة العثمانية.
ولم تتوقف جهود هرتزل لتأسيس دولة لليهود حتى أنه اتصل بالسلطان عبد الحميد الثاني لإقناعه بهجرة اليهود الأجانب إلى فلسطين ومنحهم حكما ذاتيا مقابل دفع ثلاثة ملايين جنيه. إلا أن السلطان عبد الحميد كان رافضا رفضا باتا لموافقة أي رشوة لاستيطان اليهود الأجانب وقال كلمته الشهيرة للصدر الأعظم “انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض. فهي ليست ملك يميني بل ملك الأمة الإسلامية التي جاهدَتْ في سبيلها وروتها بدمائها.

فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا مُزِّقَتْ دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حي فإن عمل المِبْضَع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بُتِرَتْ من الدولة الإسلامية.

 وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة”.

ورغم رفض السلطان لطلبات هرتزل، فقد استمرت الحركة الصهيونية شراء الأراضي وتنظيم عملية الاستيطان في فلسطين. ومَنَعَ السلطان إنشاء جامعة عبرية في مدينة القدس للشبان الأتراك.

في الحرب العالمية الأولى، لما وجدت بريطانيا العظمى نفسها محاصرة من قبل الإمبراطورية الألمانية عام 1916، كانت على وشك التوقيع على الهدنة التي اقترحها القيصر الألماني عليها. فتقدم وفد صهيوني إلى مجلس الوزراء الحربي البريطاني لعرض صفقة على الإنجليز تتمثل في وعد الصهاينة بإدخال الولايات المتحدة إلى الحرب إلى جانبهم مقابل قيام البريطانيين بطرد العثمانيين من فلسطين وتقديمها لليهود. وقد حصل هذا الوعد لما انضمت الولايات الأمريكية المتحدة لبريطانيا ضد ألمانيا والدولة العثمانية.

بريطانيا وتفكيك الدولة العثمانية ودورها في تأسيس الكيان الصهيوني:

كانت بريطانيا مع حلفائها مصرة على تحطيم الدولة العثمانية وكان إنشاء دولة يهودية صهيونية في فلسطين أمرا مهما جدا لبريطانيا نظرا لما ستحدثه هذه الأوضاع ضد الدولة العثمانية ولو كان ذلك على حساب الشعب الفلسطيني.

ففي نهاية الحرب العالمية الأولى تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1922 بهدف تنفيذ وعد بلفور (1917) لصالح إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي.

 ففي 2 نوفمبر 1917 وجه وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد اليهودي البريطاني رسالة وذلك لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني، يعلمه فيها أن الحكومة البريطانية تتعهد لقيام وطن قومي يهودي بفلسطين. فقال اللورد إيسلنغتن “إن خطة استجلاب شعب غريب وتوطينه وسط شعب يقطن أرضه تتعارض وجميع توجهات العصر… إنها بمثابة الدعوة لكارثة مُحققة بالمعنى الحرفي للكلمة”. وكأنه تنبأ ما يحدث بعد تفعيل وعد بلفور لتأسيس الكيان الصهيوني الذي كان طمسا لحقوق المسلمين التي لم تكن في حسبان ذلك الاتفاق لأن الهدف كان استعماريا بحتا.

أما في عام 1916 وقعت اتفاقية سايكس بيكو، معاهدة سرية بين الديبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا والسيطرة على ما تبقى من الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وكان هذا الاتفاق فرضية أن الوفاق الثلاثي سوف يكون الضربة القاسية لهزيمة الدولة العثمانية.

وهكذا قررت بريطانيا وفرنسا تقاسم البلدان العربية التي كانت تابعة للدولة العثمانية فخصصت الاتفاقية لبريطانيا ما هو اليوم فلسطين والأردن وجنوب العراق ومنطقة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا للسماح للوصول إلى المتوسط. أما فرنسا فكان حظها جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسورية ولبنان وكان حظ روسيا أرمينيا الغربية بالإضافة إلى القسطنطينية والمضايق التركية. وكان حظ إيطاليا الأناضول. وفي شأن المنطقة المنتدبة فإنها ستكون تحت ” إدارة دولية”.

وقد وعدت بريطانيا العرب بتأسيس وطن قومي عربي في منطقة سورية الكبرى مقابل دعمهم لبريطانيا ضد الدولة العثمانية. لكنها ألغت وعودها للعرب بعد سيطرتها على ما تبقى من الجيش العثماني…

أما معاهدة سيفر سنة 1920 فقد أدت إلى تفكيك الدولة العثمانية التي هُزِمت في نهاية الحرب العالمية الأولى وإلى التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية فقسمت بلدان الشرق الأوسط حيث أخضعت فلسطين للانتداب البريطاني ولبنان وسوريا للانتداب الفرنسي.

بعد هزيمة ألمانيا والدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ( 1918-1914 ) وضعت بريطانيا تخطيطا محكما لتفكيك الدولة العثمانية وانتهاك حقوق الشعوب العربية والإسلامية التي كانت تابعة لها والدليل على ذلك دعمها الغير مشروط لتأسيس وطن قومي لليهود بفلسطين وإلغاء وعدها للعرب بتأسيس وطن قومي في منطقة سوريا الكبرى. وهذا دليل قاطع على معاداتها للإسلام الذي كانت تمثله الدولة العثمانية وكان منتشرا في دول الشرق الأوسط.

هجرة اليهود إلى فلسطين:

لكن هجرة اليهود إلى فلسطين انطلقت منذ زمن بعيد قبل الحرب العالمية الأولى.

تشكلت تدفقات هجرة اليهود إلى فلسطين بتشجيع الحركة الصهيونية التي تتهم السياسات الاستبدادية والدكتاتورية المعادية للسامية من طرف البلدان المسيحية في روسيا وأوروبا وأمريكا.

بدأت هجرة اليهود إلى فلسطين سنة 1837 إلى غاية 1937 تحت تشجيع وتمويل الحركات والجمعيات الصهيونية رغم إصدار السلطات العثمانية قانونا يحد الهجرة لكنها تفاقمت بعد وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين.

في عام 1880 كان عدد اليهود في فلسطين حوالي 24 000 يهودي على

 482 000 نسمة وبين 1880 و1890 قدم إلى فلسطين حوالي 30 000 يهودي تحت إشراف حركة “هبة صهيون”. وفي بداية القرن العشرين تحصل الصندوق القومي اليهودي في بال (سويسرا) على جمع الأموال لشراء الأراضي الفلسطينية فأدت عملية شراء الأراضي التدريجية إلى اندلاع التوترات الأولى مع العرب.

أما في عام 1914 كانت فلسطين تعد حوالي 000 90 يهودي على 000 800 نسمة.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية توجه يهود ألمانيا إلى فلسطين التي مازالت تحت الانتداب البريطاني. لكن الأوضاع تدهورت عندما تكاثرت الانتفاضات العربية على قدوم اليهود واستيطانهم، فقررت بريطانيا تحديد هجرة اليهود إلى فلسطين. لكن انقلب السحر على الساحر. كانت قوات الجيش والأمن التابعة لسلطات الانتداب البريطاني تعد أربعين ألف يهودي. فلما حددت بريطانيا هجرة اليهود لفلسطين انعزل هؤلاء اليهود عن الجيش البريطاني وأسسوا منظمات وعصابات عسكرية صهيونية إرهابية تهاجم كلا من الجيش البريطاني والفلسطينيين. تلك هي العصابات اليهودية الصهيونية التي تدعى الهاغانا وإرغون وإشتارن ولاهي والتي عاثت في فلسطين قتلا وفسادا وإرهابا ضد الفلسطينيين وكانت أبرز جرائمها مذبحة قرية دير ياسين التي وقعت في 9 أبريل 1948 وأسفرت على قتل 360 فلسطيني نساء ورجالا، أطفالا وكهولا وشيوخا.

وفي هذه المجزرة روى مراسل صحفي معاصر للمذبحة “إنه شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه. لقد أتى القتلة بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها ثم انتهوا منها وبدأوا تعذيبها فقطعوا نهديها ثم ألقوا بها في النار كما شوَوْا جثث الشهداء وبتروا أعضاءهم وبَقَرُوا بطون الحوامل” وقد استفاد الجانب الصهيوني من انتشار وتهويل أخبار المجزرة لإثارة حالة رعب في القرى العربية الأخرى ودفع سكانها للهروب ومغادرة أرض أجدادهم.

 كما أن حركة إرغون اليهودية الصهيونية شنت مهاجمات على الاحتلال البريطاني حيث قامت بتفجير نزل الملك داود الذي اتخذته الحكومة البريطانية مقرا لها فأسفر ذلك على مقتل 91 شخصا. وإثر هذه العملية قدمت سفينة نزوح “اكزودوس” إلى فلسطين وعلى متنها 4 500 يهودي الناجين من المعتقلات النازية التي اشترتها حركة الهاغانا العسكرية السرية الصهيونية فتصدت القوات البريطانية لمنع قدوم الباخرة لفلسطين وتم ارجاعها إلى هامبرغ بألمانيا حيث وقع سجنهم مجددا في معسكرات اعتقال. وقد أثارت هذه الحادثة استياء كبيرا في العالم…

 ( يتبع ).