حياتنا حلم يوقظنا منه الموت!..

بقلم – أبو بكر الصغير

 عندما لا نملك معنى لحياتنا، كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت.

 لا يأتي الموت متأخرا أبدا.

 إنّ الشعوب التي تحسن “صناعة” الموت، تعرف كيف تموت الموتة الشريفة، تجلّ حدثا بهذه العظمة، يهب الله لها الحياة العزيزة الكريمة في هذه الدّنيا، والنّعيم الخالد في الآخرة.

 توفّي احد بناة الدولة التونسية الحديثة، كان في رئاسة حكومة، اخلص لوطنه وأوفى العطاء له.

 رحم الله رشيد صفر.

 اقلّ الواجب كنا نتمنى بيانا تابينيا رسميا، او جنازة تليق بمكانة ومقام الرجل، يحضرها مسؤول من الدولة، لكن لم يحصل كلّ ذلك مع الأسف.

 للتاريخ، كنت شخصيا اوّل من بلغه خبر وفاة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في جدة في المملكة العربية السعودية، وصلني الخبر. عن طريق صديق قريب من قصر الايليزي حيث مقرّ الرئاسة الفرنسية، أبلغت في الحين الزميل نور الدين بوطار مدير إذاعة “موازاييك” الذي قطع البرامج وبثّ الخبر مباشرة في سبق صحفي عالمي، لتتالى بعد ذلك الاتصالات بما في ذلك من قبل مسؤول برئاسة الجمهورية الذي طلبني في الحين لاستيضاح الأمر ومدى صحة الخبر، بعد أن كانت الرّئاسة اتصلت بسفير تونس بالرياض الذي لم يبلغه الخبر بعد..

 خبر وفاة الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة علم به الناس، عن طريق القناة السابعة عندما قرأت الزميلة فتحية عدالة البيان الرسمي الصادر عن الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.

 لكن مصادر أخرى، علمت انّ الخبر انتشر حتى قبل اعلانه، من أهالي مدينة المنستير وكذلك من قبل بعض البعثات الديبلوماسية المقيمة بتونس.

 ما خفي في موضوع وفاة بورقيبة، انّ الرّئيس زين العابدين بن علي كان كلّف لجنة سرية في القصر تضمّ عددا محدودا من كبار المسؤولين في الدولة مهمّتها الاستعداد لخبر الوفاة وإعداد سيناريوهات عملية الدفن وكيفية أن يكون ذلك في موكب رسمي مهيب، لانّ هنالك قناعة بمكانة بورقيبة عالميا، بالتالي حضور ذلك العدد الكبير من قادة دول العالم لوداعه الأخير.

 لكن اتّضح انّ الهاجس الأمني هو الذي طغى على تفكير عمل هذه اللجنة، كما لحدّ اليوم لا احد يعلم من اتّخذ قرار حرمان قنوات أجنبية عالمية وخاصة الفرنسية والعربية من نقل مباشرة موكب الجنازة.

 حصلت حادثة أخرى، حول وفاة الرّئيس السوري السابق حافظ الأسد، اذ تكتَمت السلطات السورية عن الخبر، وتجنّدت كلّ أجهزة استخبارات العالم لمعرفة الحقيقة، شخصيا اتّصل بي أصدقاء سياسيون من ألمانيا وفرنسا وايطاليا للاستفسار، كنت في حيرة كيف أتعامل مع الحدث، تذكّرت صداقات فلسطينية وجدتها هي الأخرى تبحث عن مدى دقّة هذا الخبر، لكن الطريف انّ من أكد لي في نهاية الأمر خبر الوفاة، طبيب يهودي تونسي وهو رجل أعمال في نفس الوقت مقيم بفرنسا اتّصل بجهات معارضة سورية لتقدّم له كلّ تفاصيل الوفاة وتوقيتها وظروفها بالضبط !!!!.

 اعتقد انّ اخبار الموت من اخطر الأخبار والمواد الإعلامية التي يجب التعامل معها مهنيا بحذر شديد في قاعات التحرير..

عندما ابلغني احد الأصدقاء قبل فترة عن وفاة السيد الحبيب الصيد، طلبت منه التحرّي او ان يترك لي بعض الدقائق لاتصل باحد أقاربه او معارفه، فلم أجد تأكيدا، نفس الأمر حصل في سياق إشاعة وفاة الرئيس الأسبق محمد الناصر..

 رحم الله موتانا وأطال عمر وحفظ من لا يزال على قيد الحياة.

 في موت بعض الرجالات خلودهم، انهم عظماء لأنهم استطاعوا أن يخلدوا أنفسهم، ان يربطوا ذواتهم بمبدأ متجرد من كل الأهداف الذاتية والموضوعية، التي غوت إيمانهم وطريقهم.

 حياتنا حلم يوقظنا منه الموت.