روسيا – اوكرانيا.. ماذا يدور بعقل بوتين؟

بقلم – حذامي محجوب

لحظات فارقة يعيشها العالم.

لا صوت يعلو فوق صوت الحرب، هكذا يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهكذا فعل صباح يوم الخميس عندما استيقظ العالم بأسره على أنباء بعملية عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا من خلال هجمات برية وبحرية وغارات جوية.

 دخلت مركبات عسكرية روسية الأراضي الاوكرانية من عدة اتجاهات، من بينها شبه جزيرة القرم، ومن بيلاروسيا إلى الشمال.

فهل هي بداية حرب لا تبق ولا تذر ؟ ام ان الزعيم الروسي يريد ان يحسن شروط التفاوض؟

 ان اوكرانيا التي استقلت عن روسيا سنة 1991 بعد ان كانت جمهورية سوفياتية هي منطقة عازلة بين روسيا واوروبا.

اوكرانيا تعد 44 مليون نسمة وهي منقسمة إلى اغلبية موالية إلى الغرب في جهة غرب البلاد، وانفصاليين في الشرق موالين للروس يرفضون قطع حبل الوصل مع موسكو، باعتبار ان 17% من السكان هم من اصل روسي كما ان الجزء الشرقي هو في اغلبيته يتكلم الروسية.

 كان انتخاب الرئيس الاصلاحي الموالي للغرب فيكتور لوشتشنكو 2005-2010، بداية لتقارب بين كييف والاتحاد الاوروبي ومنظمة الناتو ( OTAN) , التحالف العسكري الذي تاسس سنة 1949 لكي يواجه “التهديد الروسي”.

اوكرانيا اصبحت جارا مزعجا ويصعب تحمله على رئيس الكرملين بوتين، الذي يخشى تهديدا لامن واستقرار بلاده.

 وضع فيكتور لانوكوفيتش،-الرئيس الجديد لاوكرانيا والذي وقع انتخابه سنة 2010 -حدا بعد 3 سنوات للتحالف مع الاتحاد الاوروبي لصالح التعاون مع روسيا.

ونتج عن هذا القرار احتجاجات عارمة في ساحة الاستقلال ( ميدان)في كييف، اين اجتمع بين 200000 و500000 متظاهر موالين لاوروبا مطالبين برحيل فيكتور لانوكوفيتش ونظامه المتسلط.

وقد اخمدت السلطات عن طريق اجهزة الامن والجيش هذه “الثورة” ( وسقط اكثر من 80ضحية وتقريبا ما يناهز 2000 جريح ).

 اسفرت هذه الثورة عن سقوط الرئيس يوم 22 فيفري 2014.استغل بوتين هذا الصراع لضم جزيرة القرم التي تملك قيمة استراتيجية على البحر الاسود.وقد بارك السكان المحليون هذا الضم باغلبية كبيرة ( اكثر من 96%) على اثر استفتاء كان مدانا من قبل المجموعة الدولية.

اندلعت الصراعات الاولى عندما اعلن جزء من مقاطعتي الدونستاك واللوغنسك عن ” جمهوريات شعبية ” بعد استفتاءات اعتبرت كذلك غير شرعية من قبل الغرب.

لم تعترف بها اي دولة إلى حدود مساء الاثنين.

 لا يخفى على الاوكرانيين، ان تهديد روسيا للتدخل في اوكرانيا هو آخر حلقة من حرب غير منتهية طوال 8 سنوات.

وبالرغم من توقيع اتفاقيات مينسك بين اوكرانيا وروسيا تحت اشراف فرنسا والمانيا، بهدف الخروج من الصراع، فان النزاعات التي توقفت في الدنباس قد خلفت اكثر من 14000 ضحية منذ 2014.

وتعقدت المسالة في نوفمبر عندما طلبت واشنطن من موسكو تفسيرات بخصوص حركات المجموعات ” غير المعهودة” على الحدود الاوكرانية.

كانت روسيا قد ركزت جنودا في افريل الماضي قرب اوكرانيا وفي جزيرة القرم، قبل ان تسحب جزءا كبيرا من قواتها.

 تتهم روسيا من جهتها الغرب بتسليح كييف وبالقيام بعمليات عسكرية ” مستفزة” في المنطقة.

رغبة من بوتين لاعادة رسم الخارطة الامنية للقارة الاوروبية، والتي يعتبرها ليست في صالح روسيا، وقد فرض على واشنطن ” ضمانات” مكتوبة، من اهمها ان اوكرانيا لا تنخرط في – الناتو، وهي مطالب لا يمكن ان يقبل بها الغرب.

ان انخراط اوكرانيا في حلف الناتو يمثل منذ نهاية الحرب الباردة من بين الاهداف الاستراتيجية للبلاد لقطع الطريق على موسكو.

في افريل 2008, بمناسبة قمة بوخارست، كانت كل دولة منضوية تحت حلف الناتو تلوح إلى كييف بان انخراطا هو بصدد التاسيس دون الاعلان عن روزنامة دقيقة بشانه.

لقد سارعت ازمة 2014 التعاون بين الناتو وكييف، دون ان تقدم اجوبة للطموحات الاوروبية – الاطلسية لاوكرانيا.

في جوان 2020, اصبحت اوكرانيا من بين 6 بلدان الشريكة ” الفرص الجديدة” للناتو وزادت من فرص التعاون بين كييف واعضاء حلف الناتو.

وقد عبر يوم السبت الرئيس الاوكراني فولوديمير دانسكي عن رغبته في ان تنضوي بلاده تحت هذه المنظمة، مطالبا بخارطة زمنية واضحة.

تعبر الازمة الاوكرانية عن عملية لي ذراع بين واشنطن وموسكو منذ نهاية الحرب الباردة.

لقد اخذت الولايات المتحدة التهديدات الروسية ماخذ الجد، وقد ذهب الرئيس بيدن حتى إلى التحذير من خطر ” حرب عالمية” في صورة ما وقع احتدام بين الجنود الامريكيين والروس في حالة حصول عمليات اغاثة باوكرانيا.

وقد ندد بيدن بامكانية تدخل عسكري “.

 كثفت الادارة الامريكية اللقاءات الدبلوماسية مع الروس.

يوم الثلاثاء دافعت موسكو عن حقها في ” اعادة بناء امبراطوريتها” مؤكدة انفتاح الكرملين على المساعي الدبلوماسية، لكن الغرب بدأ منذ يوم الثلاثاء في تبني عقوبات وازنة على روسيا.

 يجمع المراقبون الدوليون على أن الحرب الروسية – الأوكرانية لن تقف عند حدود البلدين، بل إن لها تأثيرات عالمية على مستوى السياسة والتحالفات والاقتصاديات، فيما يشبه حرب عالمية ثالثة في الانتظار.

 المقلق للغرب هو عقل بوتين وكيف يفكَر ؟. غالبًا ما يوصف بأنه يحسب ببرود، مثله مثل لاعب الشطرنج ومقاتل الجودو، خطابه يوم الاثنين الماضي أشبه بخطاب ديكتاتور امبراطور غاضب أكثر من خطاب حاكم عسكري بالامكان التفاوض معه.

 لقد وصف حلف الناتو بأنه “شرير”، وقال لأوكرانيا على نحو فعال إنه ليس لها الحق في الوجود كدولة ذات سيادة مستقلة عن روسيا وهو الامر الذي جسَده اليوم حقيقة استفاق عليها العالم.