سؤال الوجود والعلاقة بالمجهول يناقشه فلاسفة ومفكرو وعلماء العالم في “مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة”

الرياض – عرب 21 – ابوبكر الصغير

يقال عادة انً الفلاسفة هم أولئك الذين يجدون مشاكل لكل حل ومشكل، اليس من اهداف الفكر الفلسفي الفهم النظري للعالم.

 فالفلسفة اصلا هي حب الحكمة ومناشدة المعرفة، والحكمة في حدّ ذاتها القدرة على استخدام المعرفة من أجل الصالح الفردي والجماعي.

 فالفلسفة كاداة معرفية او ان شئتم وسيلة تعلّم وحدها تدفعنا الى التدقيق في كل شيء بالتفصيل والبحث عن ماهية الأشياء ومختلف مظاهرها وقوانينها.

 تواصلت اشغال “مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة “، في دورته الثانية تحت اشراف هيئة الأدب والنشر والترجمة بالمملكة العربية السعودية داخل هذا الفضاء الجميل ” مكتبة الملك فهد الوطنية ” في يومها الثاني بحضور عشرات قادة الفكر والفلسفة والعلماء الذين جاؤوا من كلّ انحاء العالم ليتطارحوا اخطر واهم القضايا على هذه الارض المباركة المملكة العربية السعودية بتناول مواضيع مثيرة وحارقة احيانا حول مصير البشر والوجود وعلاقة الفرد بكونه، من ذلك بالخصوص :

– ورشة تفكير بعنوان : “لقاءات بشرية دخيلة : من سنكون في المستقبل ؟ ” أدارها أستاذ الفلسفة بجامعة كوليدج بدبلن الدكتور جوزيف كوهين، برز فيها الأستاذ والباحث في الفلسفة بجامعة ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور نيكولاس دي وارن، بتقدير موقف يفيد أنّ استكشاف الكون الخارجي يعني استكشاف أنفسنا نحن البشر. ليضيف عليه وفي مشهد مثير كبير التقنيين والشريك في “Space Tec” ومؤسِّس منتدى الفضاء النمساوي الدكتور نوربيرت فريشاوف الذي ظهر بلباس روّاد الفضاء، عرضاً مرئياً تمحور حول سؤال فلسفي “هل نحن وحدنا ؟”، ومثّل هذا السؤال عنواناً لجلسة حوارية أُقيمت بالتعاون مع الهيئة السعودية للفضاء، وأدارها مُستشار الأخلاقيات في المركز الوطني للدراسات الفضائية في فرنسا الدكتور جاك أرنولد.

عقب ذلك، قُدِّمت جلسة حوارية، بالتعاون مع كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، بعنوان “تقصي الموروثات المعرفية”، أدارها الدكتور جوزيف كوهين، وتحدّث فيها كل من أستاذ الدراسات العليا بالمركز الحيوي لمهن التربية والتكوين المغربي الدكتور طيب بوعزة، ومن جامعة الشيخ أنتا ديوب بداكار، ومن السنغال الدكتور بادو ندوي، وكذلك عن بُعد من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن الدكتور أندرو هاينز، والذين أكّدوا الحاجة إلى تجديد التعريف المعرفي للفلسفة.

وكان “الاستكشاف خارج نطاق المعرفة” عنواناً للجلسة الحوارية التي أدارها الدكتور حسن الشريف، وشارك فيها أستاذ الفلسفة المُساعد بجامعة الملك سعود رئيس مجلس إدارة جمعية الفلسفة السعودية الدكتور عبدالله المطيري، الذي أكّد أنّ الاستكشاف هو حالة من الارتباط الخارجي بالغريب والمجهول، وأنّ الاتصال بالآخرين هو جوهر الاستكشاف، مشيراً إلى أنّ الاستكشاف ينطلق من شغفنا بما لا نعرف حتى الآن.

 كما قدمت المؤسِّسة والمديرة العامّة لمؤسسة بصيرة للاستشارات التعليمية داليا تونسي، محاضرة بعنوان “التحليل الأخلاقي والتفكير الفلسفي: الاقتراب من تعليم يقدر الفضائل” أشارت في كلمة رئيسة لها أن الهدف الأسمى للتعليم، هو مُقاربة أو تقدير الفضائل.

كما تناولت الفعاليات اليوم الثاني، موضوع “البيئة المجرية ( نسبة للمجرات في السماء ) : مسؤوليتنا”، حيث تحدث الأستاذ في جامعة سانت لويس الدكتور راي لي بيو، عن المجرات في الفضاء، وعلى من تقع مسؤولية حمايتها من الآثار الجانبية والأضرار التي قد تضر بها، فيما تناولت موضوعاً آخر عن منظور العلاقات الشخصية التي قد تطرأ بين الإنسان والآلة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، ودور الفلسفة في الهندسة والعلوم المختلفة، ودعمها للعلوم الطبيعية.

كما قدمت العالمة داليا تونسي محاضرة عن التعليم والتعلم الحواري، والفرص التي يتيحها في تحسين مستوى أجيال المستقبل، ورفع مستوى التفكير النقدي والفلسفي لديهم.

وعلى مستوى الفعاليات المصاحبة، حظيت مناظرة القراءة بين السطور بتفاعل ومشاركة أربع مجموعات من طلبة الجامعات الذين ناقشوا موضوع ” التخوف الأخلاقي من تطور الذكاء الاصطناعي أمر مبالغ فيه “.

فيما عقدت 3 ورش ضمن فعالية “فلاسفة الغد” المخصصة للأطفال، تناولت البدايات وأهميتها في الكون، بجانب الحديث عن الاختلافات بين كل فرد وآخر، وكيف يتميز كل واحد بصفاته الخاصة والمختلفة عن الآخرين.

 يوم ترك العرب الفلسفة وكفّروها منذ القرن الثالث عشر الميلادي بعد ان اعطوا للانسانية اجمل ما فيها من حكمة ومعرفة، غرقوا في التخلف السائد والظلام المعرفي ليصبحوا شعوبا تعيش في ظروف اقرب الى القرون الوسطى الغارقة في الاستغلال والظلم وسيادة الجهل.

 انّ الفلسفة سياسية في جوهرها، إنها روح السياسة، ومن ذلك جاء الاهتمام الغربي المحموم بها لتكون شرارة انجاز النهضة الاوروبية بما تعنيه من نقلة القارة العجوز من عصور الظلام ومحاكم التفتيش الى عهود الثورات الصناعية والعلمية وعصر التنوير.

 فتاريخ التطور البشري هو تاريخ انتاج الوعي البشري وهو جزء من معركة العقل من خلال الفلسفة.

 ما تعيشه الرياض هذه الايام هو اعلان بداية النهوض العربي ومأسسة لوعي جمعي عربي جديد.

 فالتغيّرات الكبرى داخل المجتمعات لا تنضج بشعاراتها او بمقدماتها فحسب، بل تكتمل بتوفير الوعي المعمق لكافة العناصر الموضوعية بما هو موصول بتغيير العقليات وانماط التفكير، ولا يكون ذلك الاّ عبر المعارف الفلسفية التي لا يختلف اثنان ولا يتناطح عنزان انّ لها الدور الاكبر في ظهور الحضارات وتطور العلوم والاكتشافات الجغرافية والعلمية الى جانب الاصلاح الاجتماعي والديني وحتى الثورات، خصوصا الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الصينية وقبل ذلك الثورة الأمريكية وكافه التحولات الكبرى التي عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل.