عبير موسي… هي تونس

بقلم – حذامي محجوب

رئيس التحرير

احتفل الشعب المصري الشقيق يوم 30 يونيو بثورة العزة والكرامة والحرية والخلاص من حكم الإخوان، هنيئا له.

بالتزامن مع ذلك وفي نفس اليوم، يُصدم الشعب التونسي الذي مايزال يقاوم حكم “الإخوان” منذ عشر سنوات بعدوان سافر استهدف المعارضة الشرسة للإسلام السياسي، لان “اخوان تونس” الذين لقبوا أنفسهم ب” حركة النهضة” قد فتحوا باب الفتاوى على مصراعيه فأصبح تدمير الدولة الوطنية عندهم “جهادا” والعنف “ثقافة” وحقوق المرأة” بدعة”.

تعرضت زعيمة المعارضة في تونس الأستاذة عبير موسي ورئيسة الحزب الدستوري الحر إلى اعتداء همجي ومقصود تحت قبة البرلمان وهي بصدد القيام بعملها كرئيسة كتلة، وذلك على اثر استماتتها بمعية أعضاء كتلتها في الدفاع عن بلادها لمنع تمرير اتفاقية قطر الذي سعى ” الإخوان” إلى فرضها بالقوة في المجلس، تحت جنح الظلام في بلاد عصف الوباء بأرواح البشر وتفاقم فيها عدد المصابين، انها اتفاقية تمسّ من السيادة الوطنية باعتبارها لا تراعي مصالح تونس الاقتصادية وخياراتها الإنمائية وتلقي عرض الحائط بالاستحقاقات الصحية العاجلة للبلاد.

كما تزامن هذا الاعتداء مع انعقاد ندوة صحفية قامت بها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فضح من قاموا بها وفي جانب كبير منها تورط وكيل جمهورية سابق، محسوب على ” الإخوان” في التستر على الإرهاب بالحجة والدليل خاصة في الفترة التي تداول فيها الإخوان على وزارتي العدل والداخلية وتمكنهم من مفاصل الدولة.

لقد كشفت التفاصيل التي وثقت بوسائل الاتصال الحديثة والدقيقة أن النائب المعتدي على عبير موسي وهو المدعو الصحبي سمارة، كان مدركا شديد الادراك لما يفعله وانه قد مارس العنف ضد النائبة عن قصد وعن سابق اضمار، والأرجح ان يكون مأجورا نظرا لماضيه الموسوم بالتلون والارتزاق، غادر مكانه في المجلس وتوجه إلى الأستاذة وعنفها على الملأ، ولولا تدخل زملائها بالكتلة للدفاع عنها لتواصلت عملية الاعتداء إلى مالا يحمد عقباه.

عنف وحشي تعرضت له الأستاذة عبير موسي على التوالي من قبل النائبين الصحبي سمارة وسيف الدين مخلوف رئيس كتلة ” ائتلاف الكرامة” الذي عرف بمحامي الإرهابيين، والذي لا تكاد تمر جلسة عامة منذ انعقاد هذا المجلس الا ومارس فيها دون مبالغة العنف، هو وأعضاء كتلته، المتكونة من خليط من التكفيريين والحاقدين على حقوق المرأة في تونس، والذين لا يتورعون عن استعمال القذف والعنف لترهيب كل من يخالفهم الراي ولا سيما الأستاذة عبير موسي التي فضحت تحالفاتهم وسياساتهم ونددت بممارساتهم، كما تحظى بقاعدة شعبية واسعة تخيفهم وترهبهم.

العنف الذي قام به الصحبي سمارة بالوكالة عن الإخوان، وعنف سيف الدين مخلوف، الذراع العنيفة للإخوان هو عنف تجاه المرأة البرلمانية، التي يريدونها مطيعة، تابعة، تكرر أصواتهم وتسير في ركابهم وتطبق تعليماتهم.

امرأة “واجهة” يدخلون بها إلى حملاتهم الانتخابية لينطلي مشروعهم الظلامي على البسطاء والسذج، حتى يتمكنوا من المجتمع ويفرضون عليه النمط الماضوي الذي يريدونه.

انه عنف مقصود تتوفر فيه كل عناصر التلبس، أراد من خلاله الصحبي سمارة أن يخمد صوت الأستاذة عبير موسي ويرهبها.

ان العنف الذي وقع في البرلمان التونسي هو عنف يقتضي تتبع المعتدي ورفع مكتب البرلمان الحصانة عن هذا النائب وامثاله، ولا يمكن ان يقتصر على بيان التنديد الذي يصدره رئيس المجلس اثر كل حادثة، وهو بالأحرى نوع من ذر الرماد على العيون.

ان القاصي والداني يعلم في تونس ان العنف على النساء قد تفاقم في البرلمان منذ تولي رئيس ” حركة النهضة” رئاسة المجلس، ووصول مجموعة من النواب المحتمين به والمنتسبين إلى التيارات الشعبوية الاسلاموية اليه، تيارات تعادي المرأة وتبحث عن اذلالها وتريد ان تعيد رسم المساحات لها.

“العنف ضد المرأة ” ممارسة تفتقت بها عبقرية “فقهاء الفتنة” لغاية تبرير اخضاع المرأة إلى وظيفة الجنس والانجاب لا غير، وطردها من الفضاء العام.

لذلك يبدو لي ان الحرمة الجسدية للأستاذة عبير موسي وحرمة الوطن أصبحت اليوم واحدة في مجتمع يريد ” الإخوان” فرض الامر الواقع على شعبه، لان هذه التيارات الشعبوية المنتشرة تستند إلى فتاوى دينية تريد تقويض حدود الدولة الوطنية التونسية وهتك ترابها واقحامها في دوامة الفوضى والرعب.

انها تعتمد على إرهابيين يدوسون القوانين التي اجمعت عليها الإنسانية الحديثة حول سيادة الدولة الوطنية وحرمتها، وتجريم ممارسة العنف على المرأة بالتعدي على شخصيتها القانونية والأخلاقية.

لا يستقيم في ذهن من خانوا الوطن وجعلوا ولاءهم الوحيد للجماعة أن تخرج عليهم امرأة وتحاول منعهم بكل ما أوتيت من قوة القانون، وان تمارس حقها وعملها كرئيسة كتلة وطنية معارضة لمنع تمرير مخططاتهم في بيع الوطن وارتهان قراره للأجنبي.

المرأة عندهم مجرد أنثى ولايمكن أن تكون ذاتا. المرأة عندهم لا يمكن ان تكون هوية، هي موضوع يجب السيطرة عليه واخضاعه وتبرير العنف عليه.

هنالك فكر واحد يحكم مشروع الذين يريدون تغيير نمط المجتمع التونسي، منطق واحد لا يفارق الذين تحالفوا مع قوى خارجية للاستقواء على الدولة التونسية والتمكن من مفاصلها باسم الجماعة وتحت يافطة الشريعة، انه منطق تدمير الحدود وزعزعة الامن الداخلي بزرع الفوضى، منطق تقويض وهتك مجلة الأحوال الشخصية للعصف بحقوق المرأة باسم الدفاع عن الشريعة والحكم بأحكامها، تفكيك حقوق المرأة باعتبارها أساس المشروع الحداثي التونسي الذي قامت عليه دولة الاستقلال.

لذلك فان عبير موسي اليوم لم تعد تمثل زعيمة حزب معارض ولا رئيسة كتلة برلمانية فحسب، والذين ما فتئوا يعتدون عليها بالعنف اللفظي والمادي من النواب وغيرهم من “الوكلاء” وعديمي الخبرة بممارسة السلطة، هم لا يمثلون تونس، بل لقد اثبتت كل اختياراتهم وتوجهاتهم وسياساتهم انهم أعداء الوطن، وانهم لا يملكون لا قيم المروءة ولا الرجولة وان الدين براء منهم.

الاعتداء على الأستاذة عبير موسي يحمل أكثر من معنى : لقد وقع في ذكرى سقوط حكم الإخوان في مصر، انها ذكرى مرعبة لهم، ذكرى تضعهم امام مصيرهم، اعتداء فيه اعتراف بفشل مشروعهم ومحاولة تستّرهم على جرائمهم بتحويل وجهة الراي العام وترهيبه واعادته إلى مربع العنف على اثر النتائج التي كشف عنها تقرير لجنة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي.

لذلك فان عبير اليوم، هي تونس، وتونس هي عبير.

يقال عادة، لا يوجد في الحياة رجل فاشل، ولكن يوجد رجل بَدأ من القاع وبقي فيه.

2 thoughts on “عبير موسي… هي تونس

  1. لقد صدقت في كل ما نشرتيه. ونحن التوانسة الاحرار الوطنيين ضد كل الظلاميين والمخرببن للبلاد ،وهم الاخوان بتونس وغير تونس. الله مع كل من دافع علي تونس وفي مقدمتها عبير موسي

Comments are closed.