عواصم – عرب 21: حذامي محجوب
عندما سعت الإدارة الأميركية إلى تنفيذ حظر شامل على استخدام منصة “تيك توك”، على خطى الهند،ارجع العديد من الملاحظين ذلك إلى التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين صاحبة التطبيق، لكن يبدو ان الأمر اعمق بكثير من ذلك، اذ يربط الخبراء الإصرار على هذا الاجراء بأسباب تخص الانتخابات الرئاسية الأمريكية والامن القومي الامريكي.
اذ يمكن عبر منصة “تيك توك” توجيه رسائل إلى الرأي العام تؤثر على أفكار الناخبين،وتحدد اختياراتهم
لذلك حظرت عدة دول استخدام “تيك توك” خلال السنوات الأخيرة، وإن اختلف الامر ما بين حظر شامل على جميع السكان كالهند منذ 2020، بعد ان كانت اكبر سوق خارجية للتطبيق، فقد كان يستخدمه ما بين 150 الى 200 مليون هندي.
وذهبت بلدان اخرى إلى حظر ضيق يخص فقط موظفي الحكومة كالاتحاد الاروبي والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا بحيث يمنع تنزيل التطبيق على هواتف موظفي الحكومة لحماية امنها القومي.
تيك توك او التطبيقة الصينية كما تسميها أوساط مراكز البحوث لعبت بالفعل دورا في نتائج الانتخابات العامة الباكستانية الأخيرة على سبيل المثال، فقد استخدمه حزب رئيس الوزراء السابق، عمران خان، للوصول إلى ملايين الناخبين الأميين الذين لا يستخدمون “فيسبوك”
وقد اكتسب ” تيك توك ” شهرة وشعبية واسعة في كل بلدان العالم وبسرعة غير متوقعة على غرار البضائع الصينية التي غزت العالم بقدرتها التنافسية.
ان هذا التطبيق يختص بمشاركة مقاطع الفيديو حصرا، حيث إنه يتيح للمستخدمين إنشاء ونشر مقاطع الفيديو عن مختلف المواضيع. وقد شاع استخدامه على الهاتف المحمول.
يثير “تيك توك” اليوم كمنصة تواصل اجتماعي جدلا كبيرا بسبب مخاوف تتعلق بالتأثير على الانتخابات والسياسة خاصة وان العديد من البلدان في العالم تستعد لخوض غمار انتخابات رئاسية.
يتوضح كل يوم ان لهذه المخاوف ما يبررها وحتى ما يؤكدها اذ حددت فعلا ” تيك توك ” نتائج الانتخابات والسياسة.
ان زعيم التجمع الوطني اليميني الفرنسي جوردن بارديلا يدين كل شعبيته لدى فئة 18 و25 سنة لهذه المنصة الاجتماعية الصينية ” تيك توك “.
فبعد الانتخابات الاوروبية نشر جوردن بارديلا فيديو ظهر فيه مبتسما امام النتيجة الباهرة التي حققتها قائمته الانتخابية، وحقق الفيديو نجاحا مبهرا , اذ في ظرف يومين وصل إلى مليون ” لايك ” like إعجاب و12 مليون مشاهدة على منصة ” تيك توك ” او فلنقل المنصة المفضلة للشباب.
لا يتحدث بارديلا حسب متابعيه عن الهجرة او عن ضرورة مراجعة الاتفاقيات الاوروبية او عن اوكرانيا مثل ماري لوبان، بل ينشر فيديوهات ” تيك توك ” قصيرة يظهر فيها بارديلا كاشفا عن كواليس الاجتماعات واللقاءات، او يتناول فيها الحلوى او يتحدث عن زيارته واحتفاله بامه في عيد الامهات، وهو ينشر الكثير من الفيديوهات على مدار الساعة وله الكثير من المتابعين الذين يرونه صاحب كاريزما وفي نفس الوقت غير متكلف، يشعرون بانه قريب منهم ويشبههم، هو يختلف عن السياسيين اصحاب الخطب والحوارات والوعود …
لقد لعب ” تيك توك ” دورا كبيرا في النتيجة التي توصلت اليها قائمة بارديلا في الانتخابات الاوروبية الاخيرة خاصة مع الناخبين بين 25 و34 سنة.
ويرى العديد من الملاحظين ان ” تيك توك ” هي بمثابة القنبلة التي يستعملها السياسيون ومراكز مخابرات بعض البلدان لا سيما البلاد المالكة لها والتي تتلاعب بها، اي يمكن من خلال خوارزمية التطبيقة ان تعمل هذه الجهات على نشر فيديوهات او رسائل كاستراتيجيا لبلوغ هدف انتخابي.
هذا ما وقع مع كاليدونيا الجديدة وقرار الحكومة بحظر التطبيقة.
في فرنسا هنالك تقريبا اكثر من 21 مليون اشتراك في ” تيك توك ” اي فرنسي على ثلاثة يستعمل ” تيك توك “.
وكذلك 9,5 مليون مشترك في الانترنت يزورن يوميا تطبيقة ” تيك توك ” المختص في الفيديوهات القصيرة، وحسب الاحصائيات التي قدمها ” تيك توك ” أربع مواظبين على الاستعمال على عشرة هم من الفئة العمرية بين 18 و24 سنة.
ان ” تيك توك ” هو وسيلة ناجعة للوصول إلى ناخبين لا يتابعون الإعلام والصحافة وغادروا وسائل التواصل الاجتماعي القديمة كفايسبوك Facebook.
ان جوردن بارديلا المولود في سنة 1995، له مليون و600 الف مشترك على ” تيك توك “.
أعلنت منصة المراقبة على وسائل التواصل الاجتماعي “فيزيبراوس” أن 43 مليون مستخدم تأثروا بمقاطع فيديو ” تيك توك ” لجوردان بارديلا منذ 1 جوان 2024. بارديلا هو مؤثر كبير اليوم بجانب كونه سياسيا.
جوردان بارديلا كان يحب ألعاب الفيديو وكان يستخدم اسما مستعارا على يوتيوب “جوردان 9320 “. لديه شغف بلعبة القتال “Call of duty”، وكان يتحدى لاعبيه إذا أرادوا ذلك. لعبة Rust الأخرى المحببة لبارديلا أيضًا وسيلة لجذب الناخبين الجدد “.
في فيديو نشرها قبل الانتخابات خاطب جوردن بارديلا متابعيه ” كل شاب ينتخب التجمع الوطني اهدي له على trust IVI يعني مواجهة على الانترنت.
جوردن بارديلا ينشر حياته الخاصة وهواياته.
وهو يصل بذلك إلى جمهور عريض من الشبآب يصعب الوصول اليه عن طريق وسائل الإعلام التقليدية.
من الواضح اذن ان تدخل ” تيك توك ” في الانتخابات وصناعة الرأي العام هو مسالة خطيرة على الامن القومي ويتم عبر عدة وسائل،فالخوارزميات والتوصيات التي يتحكم فيها: من خلال تفضيل محتوى معين: ف ” تيك توك ” تعتمد على خوارزميات تقوم بتوصية المحتويات للمستخدمين بناءً على اهتماماتهم وتفاعلاتهم السابقة. بناء على ذلك يمكن أن تفضل الخوارزميات عرض محتوى مؤيد لمرشح معين أو حزب سياسي معين، مما يزيد من انتشاره وتأثيره.
كما يمكنها كذلك ان تكتم محتوى معين بالمقابل، يمكن أن تقلل الخوارزميات من ظهور محتوى معارض لمرشح أو حزب معين، مما يؤدي إلى تقليص نطاق وصوله للناخبين وتأثيره.
والأخطر من ذلك انها تتلاعب كذلك بالمحتوى:
فبامكانها انشاء ونشر مقاطع فيديو تحتوي على معلومات مضللة أو خاطئة حول مرشحين أو قضايا سياسية. هذا يمكن أن يؤثر على آراء الناخبين وتوجهاتهم.
كما يمكن أن تتلاعب ” تيك توك ” أو الأطراف الفاعلة من خلالها بعدد التعليقات والإعجابات لتعزيز مصداقية فيديو معين أو لإظهاره كأنه يحظى بشعبية أكبر مما هو عليه في الواقع.
كما يمكن أن تسمح ” تيك توك ” بنشر إعلانات سياسية مدفوعة تستهدف جمهورًا معينًا بناءً على بياناتهم الديموغرافية والسلوكية. هذا يتيح للأحزاب والمرشحين استهداف فئات محددة من الناخبين برسائل موجهة ومؤثرة.
كما تمكّن للمترشحين أو الأحزاب من إطلاق تحديات أو حملات هاشتاغ على ” تيك توك ” لجذب انتباه المستخدمين وتشجيعهم على المشاركة في إنشاء ونشر محتويات ذات صلة، مما يزيد من التفاعل والانتشار.
فضلا عن استخدام البث المباشر للتفاعل مع الناخبين بشكل مباشر، مما يتيح للمرشحين فرصة لعرض برامجهم والإجابة على أسئلة الجمهور مباشرة.
هذا التفاعل والتواصل المباشر مع الناخبين يعزز شعور الناخبين بالتواصل الشخصي مع المترشحين مثلما وقع مع زعيم التجمع الوطني اليميني في فرنسا.
بشكل عام، هذه الأدوات والوسائل تجعل ” تيك توك ” منصة قوية يمكن أن تؤثر على الرأي العام وتوجيه النقاش السياسي بشكل كبير، لذلك اعتقد ان البلدان التي تسعى للقيام بانتخابات ديمقراطية، حرة وشفافة تضمن فيها تكافؤ الفرص لجميع المترشحين عليها ان تحذر او تحظر هذه التطبيقة..