قرطاج، حنبعل، زوكربيرغ !!…

ابوبكر الصغير

عظمة الحضارة تقاس بنوعية الأسئلة التي تطرحها داخلها، حتى لو زعزعت أسسها.

إن المحاولات التاريخية العديدة للتسلسل الهرمي، إذا لم تكن قد ساعدت في تبرير استعباد الحضارات الموصوفة بأنها أقل شأنا، فقد انتهت إلى فشل مرير فيما يتعلق بصحة المعايير المقترحة.

 من الخطورة بمكان أن نتصور أن حجة عالمية من شأنها أن تجعل من الممكن تصنيف الحضارات حسب حجمها.

 في النهاية، فإن هذا يرقى إلى فرض الحدس الأخلاقي باعتباره هو السائد، وهو ما يميز الاستبداد الأيديولوجي فهو يفتح الباب لمزيد من الأسئلة حول تاريخ ومصير وعظمة الحضارات التي عرفتها الانسانية عبر كلّ تاريخها.

 نشر مؤسس موقع فايسبوك، مارك زوكربيرغ صورا على صفحته الرسمية، بمناسبة احتفاله بعيد ميلاده الأربعين، ظهر فيها وهو يرتدي قميصا أسود كتب عليه باللغة اللّاتينية ‘Carthago Delenda Est’.

 تعليقا على الصورة، كتب أستاذ علم الإجتماع معاذ بن نصير، شارحا أصل الكلمة، مضيفًا بالقول: ” ما نتصورش من باب الصدفة انو مارك يلبس تريكو مكتوب عليه يجب أن تدمر قرطاج “. مع العلم ان جملة “Carthago Delenda Est” هي عبارة خطابية لاتينية تعني “يجب أن تُدمّر قرطاجنّة”، صرح بها ماركوس بورسيوس كاتو أو كاتو الأكبر، وهو سياسي بارز في الامبراطورية الرومانية.

ففي القرن الثاني قبل الميلاد صرخ ماركوس بورسيوس كاتو في مجلس الشيوخ الروماني: Delenda est Carthago يجب تدميرُ قرطاجنّة، ينبغي عدم التصالح معها.

 هذا التدمير شكّل نقطة تحول مهمة لمسار التاريخ القديم الذي انتقل من عالم ثُنائي الأقطاب إلى عالم أحادي القطب، كرّس الإمبراطورية الرومانية كقوة مسيطرة على العالم لمدة قرون.

 فهم بعض المهتمين خلفية هذا الصنيع بانه اعلان ” مارك زوكربيرغ ” انتصار امبراطوريته الافتراضية ” الفايسبوك ” وسيطرتها على العالم.

 اعلن ذلك في ذكرى يوم مولده.

 من يذكر قرطاج، يذكر حنبعل وعظمة هذا القائد العسكري الذي هزم روما وهدّدها في عقر دارها وكان الوحيد ان يحول دون عظمتها لولا الخيانات.

 هل تعلمون لماذا رفضت تركيا الاستجابة لرغبة او طلب بورقيبة نقل رفات القائد حنبعل لإقامة جنازة وطنية له بشكل رمزي ومقام بتمثال ضخم ؟.. الجواب سيفاجئ الكثيرين: ” لقد تمّ العثور على وصيّة له، مكتوبة فوق شاهدة قبره بان يٌدفن فوق ايّ تربة وفي اي مكان في هذا العالم الاّ في قرطاج بعد ان غدره شعبها وخانه أبناؤه “.

 بين تونس وتركيا تاريخ عريق وثري، يعود للامبراطورية العثمانية عندما ادرك الباب العالي عظمة تونس واهلها.

قامت الدولة الحسينية بتونس طوال قرنين ونصف قرن غيّرت الكثير وتركت ارثا حضاريا وثقافيا وعمرانيا عظيما.

 سنة 2020 كشف الجنرال ورئيس الأستخبارات العسكرية التركية أسماعيل حقي بكين علي المباشر علي قناة روسيا اليوم بأن تركيا طلبت من تونس تمكينها من قاعدة عسكرية علي أراضيها وبأن تونس رفضت ذلك وأختارت الحياد فيما يخص الملف الليبي.

 كان تصريحا مهما جدا وفي غاية الخطورة يكشف في جانب ما خفايا زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتونس الأخيرة في شهر ديسمبر 2019 وحديثة يومها عن رائحة الدخان في القصر الرئاسي بقرطاج !.

 الزيارة التي رافقه فيها وزير الدفاع التركي ومدير المخابرات ومستشارين أمنيين.

 يعني زيارة لا علاقة لها بالصداقة أو بالأقتصاد أو غيرها بل زيارة طموح لدور استراتيجي بالمنطقة.

 جانب كبير في العلاقات بين الامم والدول يتّسم بحالة تصادم مصالح في أصله، بصراع سياسات وإرادات في شكله الظاهر والمعلن، وصراع وجود في حقيقته.

 إذا اراد المرء ان ينشد العظمة، فلينشد الحق، ليظفر بالاثنين معاً.

 فكل قوة لا يكون مبعثها القلب تكون ضعفا.