أبوبكر الصغير
من يقرا التاريخ تصبح له اكثر من حياة غير حياته، التاريخ هو مجموع الأشياء التي كان من الممكن تجنبها، نحن لا نعيش فقط عصرنا، انّنا نحمل تاريخنا كله معنا.
التاريخ شيء أخر غير صورة أخطاء الإنسان ايّا كان مواطنا عاديا، قائدا، أو زعيما.
بعد اشهر قليلة من قرارات 25 جويلية 2021، زار الرئيس قيس سعيد قبر الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لتلاوة فاتحة الكتاب عليه.
هذا الصنيع الذي كان رئيس الجمهورية نفسه انتقد كلّ من ياتيه عندما صرّح انّ: ” من يذهبون إلى قبر بورقيبة اليوم يبحثون عن مشروعية سياسية في رفات الموتى” !.
في سياق ردّة فعله على نتائج انتخابات يوم 29 جانفي، وتبريره لنسبة المشاركة الضعيفة استحضر الرئيس قيس سعيد حادثة مهمة غيرت تماما مجرى الحياة السياسية بتونس، كانت المنعرج الاهم والاكبر في مسيرة الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة بل في حكمه،
في اوج حرب الخلافة بداية ثمانينات القرن الماضي كان وقتها محمد الصياح اكثر المقرّبين من الراحل الحبيب بورقيبة خطّط بعض بارونات السياسة من اقطاب الحزب الحاكم لمؤامرة إسقاطه او اقلّها اضعاف مكانته داخل الحزب في انتخابات أعضاء اللجنة المركزية، وهو ما حصل بالفعل في ختام اشغال المؤتمر، حملت القيادة الجديدة قائمة اسماء الذين حظوا بثقة النواب إلى قصر قرطاج لإبلاغ الزّعيم بها، اطلعه محمد مزالي بقائمة الناجحين وكان بارزا اسم محمد الصياح في آخر الترتيب، عندها التفت اليه الرئيس الراحل بورقيبة وقال له: ” هذه القائمة يجب ان تُقرأ بالمقلوب” أي أن من هو في آخر الترتيب يصبح الأوّل.
تمّ قراءة هذه الحادثة بكونها رسالة واضحة من بورقيبة انّه اختار خلفه، لن يكون غير ” صندوق اسراره ” وحامل مذكراته محمد الصياح.
ليس هذه المرة الاولى التي يتدخّل فيها بورقيبة في اختيار قيادة الحزب، لقد سبقتها حادثة اخرى اعتبرها البعض اسّ البناء الديمقراطي، وهي تلك الموصولة بالمؤتمر الثامن للحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم المنعقد في أكتوبر 1971 بمدينة المنستير، على امتداد خمسة ايام كاملة والذي جاء بعد سبع سنوات من مؤتمر المصير المنعقد ببنزرت سنة 1964، لكن الاهم انّه التام بعد ازمة التعاضد وانهاء حكم ونفوذ احمد بن صالح.
شهد مؤتمر المنستير في يومه الاخير انتخاب اعضاء اللجنة المركزية التي افرزت نتائجها مفاجات لم ترق للمجاهد الاكبر اذ اظهرت سيطرة للتيار التحرري او الليبراليين او ان شئتم من ينعتون بالبلدية، من ببن هؤلاء احمد المستيري وحسيب بن عمار وراضية الحداد وقد صعد المستيري مكان الباهي الادغم في اللجنة المركزية، خلّفت هذه التطورات التي فاجات بورقيبة صدمة لديه، عندما تمّ ابلاغه بها.
لم تستسغ جماعة ما اصطلح على تسميتهم ببلْدِية العاصمة وعلى راسهم احمد المستيري ردّة فعل بورقيبة الذي سبق ان تعهّد في خطاب 8 جوان 1970 بانتهاج درب الانفتاح السياسي واعتماد الخيار الديمقراطي داخل الحزب في مرحلة اولى على الاقلّ تهيئة لنشرها بالبلاد، لتعلن هذه الجماعة انسحابها من المؤتمر واستقالتها من الحزب ومن ثمّة الانطلاق في تجربة سياسية جديدة باعتماد سياسة ” المساندة النقدية ” لحكم بورقيبة في مرحلة اولى ثمّ التاسيس لحزب معارض وهو حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.
لا مجال مقارنة بين حدثين الفارق الزمني بينهما اكثر من ثلاثة عقود، فالاول يتعلّق بحرب خلافة داخل حزب حاكم والثاني بعملية اقتراع عام حول اختيار نواب مؤسسة تشريعية.
قيل انّ أسرار الحكم تكمن في دراسة التاريخ، في معرفة تجارب من سبقوا ولكن ليست ايّ حادثة او تجربة، فالماضي يبلغنا اشياء ليست بالضرورة تتكرّر.
لماركس مقولة عظيمة، انّ التاريخ يعيد نفسه، في المرة الاولى تراجيديا وفي الثانية مهزلة !.
لا علاقة للنجاح بما تحصده في افعالك من نتائج أو ما تنجزه لنفسك، فالنجاح هو ما تفعله للآخرين ويصنع سعادتهم وهناءهم في معيشتهم.
احسن للمرء ان يبني فريقا من أناس يحبّون الانتصار والفوز، إذا لم يعثر على أي واحد منهم ليبحث عن أناس يكرهون الهزيمة !.