كان صحفيا في “الصباح” و”العمل”: رحيل مدير عام جريدة المجاهد اليومية الجزائرية

الجزائر – عرب 21:

ترجل فارس من أعمدة الإعلام والصحافة في الجزائر محمد العيد بورغدة.

رئيس ديوان المرحوم فرحات عباس أثناء رئاسته للمجلس الوطني عقب استعادة الاستقلال.

محمد العيد كان مديرا عاما لجريدة المجاهد اليومية وكان يحرر عمودا في هذه الجريدة العريقة اليومية تحت إسم مقيدش بالفرنسية، ثم كان مديرا للقناة الثالثة والرابعة بالفرنسية والإسبانية.

اشتغل أثناء الثورة صحفيا في جريدة ” الصباح ” التونسية، قبل أن يتولى منصب السكرتير العام لصحيفة العمل التونسية، إذ كان من بين زملائه في تلك الصحيفة الأستاذ عبد الله شريط أستاذ علم الاجتماع لاحقا في جامعة الجزائر.

كان والده صديقا حميما للراحل فرحات عباس ولعائلته.

وأثناء وجود الحكومة المؤقتة بتونس ظل محمد العيد بورغدة مداوما على زيارة رئيسها المرحوم فرحات في بيته بالعاصمة التونسية.

في أعقاب استعادة الاستقلال عاد محمد العيد إلى الوطن حيث التقى بصديقه المحامي يوسف أحد أشقاء فرحات عباس، الذي اصطحبه إلى قصر زيغود يوسف حيث كان يوجد مقر المجلس الوطني الذي يترأسه فرحات عباس.

وخلال ذلك الاستقبال الذي حضره الأمين العام للمجلس عياش بن عجيلة رحمه الله ابن مدينة الأغواط، سأل المرحوم فرحات عباس محمد العيد عن عمله في ذلك الوقت، فأخبره محمد العيد أنه عاد من تونس للتو، وأنه لا يشتغل.

عندها طلب منه فرحات عباس نظرا لتمكنه من اللغة العربية والفرنسية أن يساعده في إعدادِ وصياغةِ وترجمةِ الخطب أو النصوص والرسائل نظرا لعدم معرفة فرحات عباس للغة العربية، فما كان منه إلا أن لبَّى طلبه دون أن يكون موظفا لفترة طويلة.

آيت أحمد ينتقد غياب العربية في المجلس..

يذكر محمد العيد أن النقاشات في الجلسات الأولى للمجلس الوطني الجزائري كانت تدور في معظمها باللغة الفرنسية، الأمر الذي دعا الزعيم التاريخي وعضو المجلس الوطني حسين آيت أحمد إلى التدخل بحدة، مسجلا نقطة نظامية قائلا أمام الجميع: ” إنه لمن العار والأسف الشديد أن نسجل هنا أن نقاشاتنا في هذا المجلس تدور باللغة الأجنبية بعد احتلال دام 132 سنة، وبعد ثورة مجيدة دامت أكثر من سبعة أعوام لطرد المحتل واستعادة الاستقلال “.

وقد أدى هذا النقد الحاد من قبل زعيم بحجم آيت أحمد إلى توقيف النقاش داخل المجلس الوطني لمدة 15 يوما كاملا للبحث في الكيفية التي من شأنها أن تجعل جلسات المجلس تترجم إلى العربية.

كانت الجزائر في تلك الفترة تخلو من الإطارات الكفأة والمتخصصة في مختلف المجالات بما فيها المترجمون، وراح مسؤولو المجلس، وفي مقدمتهم الراحل بن عجيلة، يبحثون عن مترجمين، ولكن معظم مَنْ تمت الاستعانة بهم كانوا لا يتقنون فنيات الترجمة.

وأخيرا اهتدوا إلى الاستعانة بمحمد العيد بورغدة الذي أنقذ الموقف، وراح يترجم التدخلات وجلسات المجلس من الفرنسية إلى العربية، الأمر الذي جعل المرحوم آيت أحمد يتجه إليه في ختام الجلسة الأولى ليشكره على الترجمة، أما فرحات عباس فإنه أبدى سعادته لنجاح ابن صديقه في إنقاذ الموقف بترجمته لأشغال المجلس.

كان محمد بجاوي في تلك الفترة مديرا لديوان رئيس المجلس الوطني فرحات عباس، وصادف في تلك الفترة التي كان يتم فيها إعداد أولِ دستور للجزائر زيارة الرئيس أحمد بن بلة لمقر المجلس، حيث طلب من رئيسه فرحات عباس انتداب كل من محمد بجاوي ومحمد العيد بورغدة للرئاسة لمساعدة بن بلة.

ولئن قبل فرحات عباس طلب الرئيس بن بلة بشأن محمد بجاوي، فإنه لم يستطع أن يقبل طلبه بشأن محمد العيد قائلا للرئيس بن بلة: يا سي أحمد أتريد إفراغ المجلس ؟.

عقب انتداب محمد بجاوي للرئاسة تم تعيين محمد العيد رئيسا لديوان فرحات عباس.

كان محمد العيد شاهد عيان عن تلك الفترة التي عرفت صراعا بشأن إعداد أول دستور للجزائر بعد استعادة الاستقلال.

فقد رأى فريق من الشخصيات، وخاصة تلك التي كانت تحيط بالرئيس بن بلة أو ترتبط به فكريا أو مصلحيا أن الوثيقة التي تم إعدادها بشأن مشروع الدستور ليبرالية ولائكية التوجه، وذهب البعض إلى حد وصفها بالرجعية، خاصة في وقت كانت فيه بعض الأصوات ترتفع لانتهاج توجه اشتراكي، والتي كانت تشكل لدى البعض سمة وشعارا للتقدمية.

وكان بعض هؤلاء يترددون على فرحات عباس ويُظهرون له التملق والإعجاب بالأفكار التي تضمنتها تلك الوثيقة، ولكنهم كانوا بمجرد خروجهم من مكتب فرحات عباس ينتقدونه نقدا لاذعا، كما يصبّون جام غضبهم على تلك الوثيقة، واصفين إياها بالرجعية تارة،و اللائكية التي لا تنسجم مع نظام تقدمي اشتراكي!.

كان فرحات عباس مثله مثل معظم المثقفين يتوهم صدق نوايا أولئك المتملقين له، والذين كانوا إن جلسوا إليه حدثوه حديث المخلصين له المشيدين بمواقفه ووثوقيته وأفكاره، وإن خرجوا من مكتبه طعنوه في الظهر بخناجر مسمومة، الأمر الذي جعل رئيس ديوان فرحات عباس محمد العيد بورغدة يخاطب رئيسه فرحات قائلا له في نوع من العتاب الذي لم يخلُ من ود واحترام تجاه رئيسه وصديق والده:

” يا سيدي أنت نية “، إنك لا تليق أن تكون رئيسا للمجلس الوطني، بل تليق أن تكون شيخ زاوية !!

ثم أضاف منبها رئيسه:

إنك تتعامل بطيبة مع ثعابين سامة !!

لم يغضب فرحات عباس منه، لأنه كان يعرف أنه صادق معه وأنه جريء وصريح ويكره النفاق والمنافقين.

ويوضح محمد العيد أنه في ظل تفاقم الصراع بين فرحات عباس وبين بن بلة والمحيط الرئاسي كتب فرحات عباس رسالة الاستقالة من المجلس الوطني عقب الضغوط التي تعرض لها، وخاصة بعد أن تم إعداد نص دستوري خارج المجلس الوطني ودون إرادته، وهو النص الذي استفتِيَ فيه الشعب يوم 8 سبتمبر 1963 الأمر الذي دفع فرحات إلى الاستقالة.

ويذكر محمد العيد أنه كان أول من اطلع على رسالة الاستقالة التي كتبها فرحات عباس بخط يده باللغة الفرنسية.

و عندما قرأ محمد العيد ذلك النص مكتوبا بالفرنسية نبه رئيسه فرحات عباس أنه من الخطإ الجسيم أن تكون استقالته مكتوبة بالفرنسية.

و لذلك قام محمد العيد بأخذ النص وترجمته إلى العربية.

وهكذا تمت استقالة فرحات عباس مباشرة بعد ذلك في الـ 13 سبتمبر عام 1963 من المجلس بعد صراع سياسي مرير حول التوجه والمنحى السياسي للجزائر.

يتضامن مع رئيسه ويعود للدراسة..

وفي أعقاب استقالة فرحات عباس قدَّم معظم إطارات المجلس الوطني ومن بينهم رئيس الديوان محمد العيد وعياش بن عجيلة الأمين العام للمجلس استقالتهم تضامنا مع رئيسهم فرحات عباس.

كان محمد العيد يرتبط بعلاقة صداقة حميمية مع الراحل بن يحيى، فقد كان هذا الأخير يزوره بشكل شبه يومي في بيته بحي بوقرة بالعاصمة حتى أثناء دراسته.

و في أعقاب الانقلاب الذي أطيح فيه بالرئيس أحمد بن بلة وقع اختيار الرئيس هواري بومدين على محمد الصديق بن يحيى ليكون على رأس وزارة الأخبار.

ونظرا لعلاقة الصداقة المتينة بين بن يحيى ومحمد العيد بورغدة، فإن وزير الأخبار الجديد طلب من صديقه محمد العيد أن يتولى مهام المدير العام لجريدة ” المجاهد ” اليومية التي كانت قد توقفت لفترة عن الصدور ما اضطره إلى التوقف عن الدراسة بعد أن أُسنِدتْ له مسؤولية مدير عام جريدة ” المجاهد ” التي أعاد بناءها من جديد يساعده في رئاسة التحرير المرحوم نور الدين نايت مازي.

لم يكتف محمد العيد بإدارة الجريدة، بل كان يكتب يوميا عمودا هزليا تحت عنوان “قريقش” ينتقد فيه مختلف المظاهر السلبية في المجتمع.

وفي تلك الفترة جرى تعيين محمد رزوق مديرا عاما لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون خلفا لماحي منير.

وبالنظر إلى العلاقة التي تربطه بمحمد العيد بورغدة فقد حاول بالتعاون مع الوزير الجديد للأخبار محمد بن يحيى إقناع بورغدة بتولي منصب مدير القناتين الثالثة والرابعة للإذاعة الناطقتين بالفرنسية والإسبانية، وهو ما تم فعلا حيث مكث عدة أعوام بتلك المؤسسة التي عرف فيها، قبل أن يتحول إلى مؤسسة صناعة الورق كرئيس مدير عام إلى أن أحيل على التقاعد منذعام 1996.