“كل يغني لقيس….كل اللوم على قيس”!

بقلم – حذامي محجوب

رئيس التحرير

 الم يُقل: ” من حسن حظّ الحكام أنّ الناس لا يفكرون “.

 انطلق العديد من أنصار رئيس الجمهورية قيس سعيد بكل حب وحماس في القيام ببروباغندا اي دعاية سياسية عارمة في كل واد.

 اطلقوا عليها اسم ” الحملة التفسيرية ” لمشروع السيد الرئيس ” الذي يقدمونه على انه ليس الحل لمشاكل تونس فقط بل كذلك لمشاكل الانسانية جمعاء، مشروع يقوم على “البناء القاعدي” الذي تحدث عنه وروّج له الرئيس منذ 2011.

 لعل حديثه عن هذا المشروع الذي يبدو شعبيا في ظاهره هو الذي ضمن له أصوات الناخبين في 2019، باعتبار انه استهوى الكثيرين نظرا لطابعه الطوباوي الذي ًيجعل الفئات العديدة لا سيما المحرومة من التنمية تحلم بغد افضل لا كذلك في قدرتها على فرض ارادتها.

 زاد في تعميق هذه الفكرة طبيعته اللغزية وظهوره فيما بعد في ثوب الزعيم الملهم والمخلص للبلاد، لهذا السبب كذلك بقي في مرتبة متقدّمة جدّا أمام بقية المنافسين في عمليات سبر الآراء.

ورغم أن رئيس الجمهورية تنصّل صراحة في واحدة من إطلالاته من “المشروع” مثلما تنصّل من الصفحات الفايسبوكية المموّلة التي سوّقت لترشّحه وساهمت في نجاحه، فإن الأنصار و”المفسرين” الذين اطلقوا العنان لحملاتهم وضغطوا على الزر لمضاعفة السرعة هذه الأيام، ربّما لتقديرهم أن ” التدابير الاستثنائية ” هي فرصة سانحة للمرور بقوة وفرض هذا المشروع حتى يتبناه الناس قبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة على أنقاض ومعادلات ومخرجات ما بعد 25 جويلية 2021.

 يبدو بكل جلاء أن ما يعرضه “المفسّرون” بكثير من الحماسة يطرح عددا من الإشكاليات والمآخذ التي تحطم”المشروع” على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون سواء كان ذلك سياسيا او اخلاقيا.

 هنالك مثل تونسي جدّ معبر يقول: ” اش لز حمة يغني ؟ ” لماذا يفعل المفسرون بانفسهم ما لا يفعله العدو بهم ؟ لماذا يفعلون بنا ما يفعله الجاهل بنفسه ؟ أصعب ما يمكن أن يجد الانسان نفسه فيه، هو اضطراره لتفسير شيء لا يستطيع أن يفسره حتى لنفسه”. ! انها ورطة !

منظّر” المشروع، رضا شهاب المكي شهر “رضا لينين ” اصبح شخصية يقصدها الاعلاميون والشخصيات السياسية والمحللون لفهم عقل الرئيس واستشراف مشروعه وما هو بصدد طبخه وتفصيله لتونس، كما اصبح يطل علينا من حين لآخر كل من “المفسّرة” بثينة بن كريديس و”المفسّر” أحمد شفتر، هؤلاء هم اقرب منهم الى المبشرين لا المفسرين، لان خطبهم تحتاج بدورها الى مزيد التفسير والتوضيح، انهم متحمسون الى حد السذاجة ما دفع بشفتر الى التصريح بأن “برنامج ومشروع رئيس الجمهورية سيكون إبداعا إنسانيا جديدا به ستدخل تونس العصر الحديث ” !.

 انه مشروع “لا يشبهه ايّ مشروع.. يجُب كل ما قبله، مشروع لا يشبه في شيء اللجان الشعبية الليبية ولا يقارن بالسوفياتات ولا يشبه في شيء النظام المجالسي. انه ابداع جديد في زمن جديد لم يبدأ بعد ولا مثيل له في اي مكان ولا في اي زمان.

 اختراع جديد لم يسبق ان خطر على بال انسان، ولم يتوصّل إليه العقل السياسي الكوني ولا اعتى الفلاسفة والمفكرين والمنظرين في العالم.

 انه المشروع السحري الذي سيجعل بلادنا تصبح منارة الديمقراطية ونموذج العدالة والتنمية والرخاء والازدهار والسعادة في العالم. هذا ما يقوله انصار الرئيس.

 انّه بناء فريد وجديد يشيطن الاحزاب عن بكرة ابيها وكل الاجسام الوسيطة، لكن المفسرين والأنصار بدؤوا بالانحراف عن هذا المشروع قبل ولادته، فهم يقولون ما لا يفعلون، فهم يباركون موقف الرئيس المعادي للوسائط التقليدية وفي مقدمتها الأحزاب وينتقدون المنظومة الحزبية برمتها ويعملون على تخوين الأحزاب وتقزيم دورها في الماضي والحاضر، وتحميلها مسؤولية كل الخراب والدمار الاقتصادي الذي لحق البلاد في حين أن ما يقومون به هو نشاط حزبي بامتياز من ناحية التنظم والنشاط والانتشار.

 فالتنسيقيات التي تقوم بما سمي ب” الحملات التفسيرية ” هي عبارة عن هياكل لحزب سياسي وان اختلفت المسميات، انها هياكل تنضوي تحت قيادة وتنشط على الشبكة العنكبوتية وتتحرك في البلاد وخارجها وتعمل على قدم وساق من اجل الاقناع ب ” مشروع الرئيس ” باسم المحليات أو الجهات.

 انصار لا يتعاملون مع مؤسسات الدولة ولا يعترفون بالتسلسل الاداري بل لهم علاقة مباشرة بالرئيس ويمثلون خزانا للتعيينات اللّاحقة..

 إن البناء القاعدي كما يقدّمه المفسّرون على كونه قطعا مع التمثيلية الديمقراطية كما يقرؤونها، لا يهدّد وجود الأحزاب فقط وإنما التجربة الديمقراطية في تونس، لان هذا المشروع يعد انحرافا على ارادة الناخب وتلاعبا بصوته لأن رئيس الجمهورية لم يشرح خلال حملته الانتخابية هذا المشروع ولا أهميته في بناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية التي تتحقّق فيها أهداف ثورة الحرية والكرامة في التشغيل والعدالة. لذلك لا يجوز هذا المشروع لا سياسيا ولا اخلاقيا..

 إن المفسرين وهم يؤكّدون أن البناء القاعدي هو منهج ديمقراطي يسمح بتصعيد ممثلي الشعب من العمادات والمحليات لا يقولون أنه يؤسس لحكم رئاسوي يبرّرونه للأسف بالشرعية الانتخابية الواسعة للرئيس على رأس السلطة التنفيذية كلها، اشكال كبير يحوم حول الرابط بين مكونات هذا البناء الطوباوي بما أن القرعة هي الفيصل في اختيار النواب المنتخبين الذين قد لا يجتمعون على أمر سواء كما يقال، والأرجح أن ينتصروا لمحلياتهم وعماداتهم بدل الاجتماع على برنامج وطني هكذا سنغير عددا محدودا من الكتل في البرلمان بـ 217 كتلة بما أن كل نائب سيمثل في النهاية كتلة دون أن ننسى إقصاء التونسيين بالخارج وهم يمثلون أكثر من عشرة بالمائة من الجسم الانتخابي ودون الحديث كذلك عن وزنهم الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي في بلدهم وفي الخارج.

حملات التفسير التي غايتها اقناعنا بمشروع البناء القاعدي ومدى صلاحه وملاءمته لتونس توازيها استشارة الكترونية كخطوة اولى لتنفيذ خارطة طريق رئيس الجمهورية، هذه الاستشارة التي بخلاف ما يروج لها المفسّرون ووزراء السلطة التنفيذية القائمة على انها “إنجاز ” وعمل طوعي غير مكلف للبلاد !، فإنه ينبّهنا إلى خروقات كثيرة للقانون.

 إن تسخير وزارات والاخذ من ميزانيتها في وقت اقتصادي صعب، وتسخير دور الشباب وتجهيزها للقيام بهذه الاستشارة بما يتطلب ذلك من توفير الاعتمادات المادية والبشرية وهي قدرات واموال كان بالامكان توظيفها لتطوير منصة الكترونية يتمكن بها التلاميذ والطلبة في تونس من متابعة الدروس عن بعد بسبب انتشار فيروس الاميكرون كبقية التلاميذ في العالم، ما فائدة استشارة الكترونية نتائجها محددة سلفا في ذهن الرئيس، وقد اعلن بعضها بعد وهل من المشروع ان تتجند من اجلها اجهزة الدولة وامكانياتها اللوجستية ؟. الاستشارة في حد ذاتها تتضمن اسئلة موجهة.كما تغيب عن هذه الاستشارة الشفافية فنحن لا نعرف الى حد الآن من أعدها ومن سيقوم بقراءة النتائح وتأليفها.

 قد يجد هذا المشروع صدى له في الشارع التونسي وعند انصار الرئيس تحت تأثير الخطاب الشعبوي الذي ينتشر ويتغول في فترة السقوط السياسي والانهيار الاقتصادي وتفاقم الجهل الذي لم تعرفه تونس منذ دولة الاستقلال، كما لا ننسى ان العشرية السوداء الاخيرة قد استنزفت المجتمع المدني وارهقته لكنه سيظل قائما لمواجهة هذه الموجة العارمة للشعبوية التي لا تبقي ولا تذر، وستنتصر تونس في النهاية على هذه الآفة بفضل المجتمع المدني الذي كان صمام الامان في كلّ المعارك التي خاصتها بلادنا في السنوات الاخيرة وضد كل المغالطات ومحاولة التفرد بالسلطة.

 انّ السياسة ليست لعبة النوايا الحسنة أو المبادئ السامية او حتى الشعارات الرنانة فحسب، كما هي ليست بالضرورة أن ينتصر صاحب المبدأ، إنها أشبه بلعبة الشطرنج يتدخّل فيها عامل الذكاء والاستعداد والكفاءة والإلمام الجيد بقواعد اللعبة.

 في الماضي مورست علينا سياسات التكفير والتجهيل، الآن نمارس على أنفسنا سياسة تصديق كل الخداع التنظيري، لكن تبقى النتيجة واحدة.