بقلم – حذامي محجوب
رئيس التحرير
يقال عادة، هؤلاء الذين يقومون بثورات سلمية، لا يستطيعون بعد ذلك أن يمنعوا قيام ثورات دموية.
تتقاطع مسيرة الثورة في تونس مع الانجاز التصحيحي في لحظة التأسيس، فالثورة مسار تاريخي طويل المدى ومعقد وشامل بينما يكون التصحيح الديمقراطي سياسي، قصير المدى وسلمي وتوافقي وهو ما توصف به قرارات 25 جويلية 2021 لرئيس الجمهورية قيس سعيد.
بدءا لم يفعل الرئيس قيس سعيد سوى الاستجابة لنضالات كل المنظمات والأحزاب الوطنية والمناضلين الأحرار الذين ما انفكوا خلال العشر سنوات الأخيرة يعلنون رفضهم ان يحكم تونس الإسلام السياسي، لهذا عملوا وسعوا الى فضح كل مخططاته في المجتمع، في الإعلام، في الإدارة في كل نواحي الحياة والقطاعات لاسيما الاقتصادية والاجتماعية.
بعد مائة يوم تقريبا من حركة 25 جويلية، يحق لنا ان نسائل أنفسنا، ما هي المحصّلة ؟ وهل نحن في المسار الصحيح ؟ هل يمكن ان نقول ان انجاز 25 جويلية قد انقذ تونس فعلا من براثن الاخوان والقطع مع خطّتهم للتمكن من مفاصل الدولة ؟ وهل من المشروع الحذر والتخوف من التفريط في هذه اللحظة التاريخية التي باركها اغلب التونسيين الذين اكتووا بحكم الاخوان على امتداد عشرية سوداء من عمر هذا الوطن ؟
هنالك العديد من المخاطر التي تحيط اليوم بتجربة ما يسمى ب”انتقالنا الديمقراطي” :
– الخطر الاول : هؤلاء الفاشلون في الحكم الذين اغرقوا البلاد في الديون وفي المعارك “الهووية”والذين يسعون اليوم الى استعادة المواقع او حمايتها وهم المسؤلون بدرجة أولى على الأزمة السياسية والاقتصادية الاجتماعية الحاصلة وقد يذهبون نحو اعتماد سياسة الأرض المحروقة وعلى راسهم حركة النهضة.
– الخطر الثاني : شبكة اللوبيات ذات المصالح الاقتصادية التي تتمتع بنفوذ واسع والتي تتحكم في العديد من المؤسسات والقطاعات داخل الدولة والمجتمع.
– الخطر الثالث : وهو في راينا خطر داهم لا يقل قيمة عن الخطرين السابقين، يتمثل في هؤلاء من يسمَون انفسهم ب ” التنسيقيات ” انصار الرئيس قيس سعيد، هؤلاء الانصار الذين يمثلون بتنوعهم وبضبابية مرجعياتهم وبتفرعاتهم الشعبوية ومنظريهم ومبشريهم بنظام قاعدي هلامي “طوبوي “. هذه التركيبة وهذا المزيج الغريب من اقصى اليمين الى اقصى اليسار يؤدي حتما الى صراعات وانقسامات لكل محاولة اعادة تجميع التونسيين وتثبيت وحدتهم، بدونه تستحيل إمكانية البناء على أسس ثابتة تضمن تصحيح المسار وتجاوز الأزمة وتصور استراتيجيا مستقبلية واضحة شاملة وتشاركية تنخرط فيها كل القوى الحية.
– الخطر الرابع : وهو خطر جاثم وتزيد خطورته حدة لانه لا يبدو واضحا في ذهن الرئيس قيس سعيد والذي يتمثل في الحالة الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد، والتي باتت تهدّد سيادتها واستقلالية قرارها بسبب غياب رؤية واضحة، مما يشير الى ازمة اجتماعية بدأت تتضح معالمها واولى شراراتها الاضراب العام في صفاقس.
من الواضح ان كل هذه المخاطر وما يتفرع عنها هي مخاطر جسيمة اجتمعت بكلّ ثقلها لتحدّ من أملنا في اصلاح الاوضاع.
فما الذي علينا فعله حتى لا نبكي على وطن خسرناه بايدينا ؟
لا شك ان هذه المعطيات المتراكمة لا يمكن تغييرها دفعة واحدة وانما الالتقاء حول ماسسة مشروع وطني للانقاذ، يبدأ بمسار تصحيحي يتفق عليه كل الفاعلين، انطلاقا من الايمان بان تونس قادرة على تحقيق ما هو افضل.
هذا المشروع لا بد ان تنخرط فيه كلّ فعاليات المجتمع المدني بمعنى المنظمات الاجتماعية والهيئات الممثلة والاحزاب والشخصيات الاعتبارية، اي لا بد للرئيس قيس سعيد ان ينطلق في حوار وطني شامل يكون مبدأ وحلاً وحيداً للخروج من هذه الأزمة، حوار بمنطق وطني لا بمقاربة فرد مهما كان موقعه، حوار بعيد عن السجال السياسي او المزايدات بقدر ما يكون هادفا لما تحتاجه تونس اليوم من حلول الانقاذ والخروج من النفق قبل ان يغرق الجميع في كارثة قد تاتي على الاخضر واليابس.
حوار يجعل الحلم ممكنا ان يكون غد تونس افضل من يومها.
ما يهمني هو أن تبقى تونس شامخة رافعة رأسها لا تنحني أمام الازمات. انّ العقول تتحارب أيّا كان مستواها لكن لا تجد راحتها واستقرارها إلّا في التحدي.