ليس الخطأ في المرض.. لكن!..

بقلم: حذامي محجوب – رئيس التحرير

 كلما ارتفع الإنسان وزاد مكانة تكاثفت حوله الغيوم والمحن.

 ليس خطا او جريمة أن يمرض أي إنسان.

 عدد كبير من رؤساء العالم حكموا بتكتم تام عن وضعهم الصحي.

 معظم أنظمة الحكم، تحاط أمراض قادتها بهالة كبيرة من السرية والتكتم الشديد، تقابلها شائعات وتأويلات وضغوط من أجل كشف حقيقة المرض،

 منذ تأسيس الجمهورية الخامسة حكم فرنسا رئيسان مريضان هما جورج بومبيدو وفرانسوا ميتران. كان بومبيدو يعاني من ويلات الكورتيزون، لكنه أخفى مرضه إلى حين وفاته، كذلك في سنة 1981 اخفى ميتران اصابته بسرطان البروستات لمدة 11 سنة عن الشعب الفرنسي، رغم ذلك بقي الرئيسان في السلطة على غرار رونالد ريغن في الولايات المتحدة الامريكية الذي كان يعاني بدوره من سرطان الكولون إلى أواخر عهدة حكمه الثانية.

 ان مرض الرؤساء في العالم يصنف في خانة اسرار الدولة الكبرى، لان الرئيس باعتباره اعلى هرم للسلطة غالبا ما توجد وراءه مجموعات وقوى تعمل او تسعى للحفاظ على مصالحها او خدمة اجندات معينة.

 بالمقابل نجد اطراف اخرى تكدً وتجتهد من اجل حفظ حكم الرئيس واستمرار نفوذه وسلطته ولو باسم الحرص على الحفاظ على التوازن الضروري لقيام الدولة.

 في البرتغال مكث انتونيو سان لازار سنة 1968 وقد شارف الثمانية عقود من العمر، عامين كاملين وهو في حالة غيبوبة ولم يتنحّ عن كرسي السلطة.

 في اسبانيا سنة 1975 خضع فرانسيسكو فرانكو وهو في عمر 83 سنة إلى عمليات جراحية مكثفة لمدة شهر دون الإعلان عن حالة شغور وقتية.

 في يوغسلافيا سابقا، كذلك بقي جوزيب تيتو وهو في سن 88 عاما في حالة وهن لمدة 4 أشهر دون أي حرج. العديد من المستبدين عانوا الامرين وظلوا متشبثين بالحكم، كيوري اندروبوف وكستانتين تشارننكو في الاتحاد السوفياتي سابقا وفارديناند ماركوس في الفيليبين وغيرهم…

 العديد من الأطباء وقع اقحامهم وتوريطهم في معلومات خاطئة عن صحة الرؤساء من قبل المنتفعين من السلطة، يتمّ تبرير هذا السلوك بمقتضيات استقرار الحكم، لكن كان مفعول تقدير الموقف هذا عكسيا تماما اذ ان مرض وعجز هؤلاء الرؤساء وبقاءهم في السلطة قد أدى إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في العديد من البلدان.

 انتفض الشعب الجزائري على اثر التكتم على مرض المرحوم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة جراء تعرضه لجلطة دماغية في افريل 2013، وكانت الرئاسة الجزائرية تكتفي ببعض البيانات عن تحوله إلى سويسرا لإجراء بعض الفحوصات الطبية الدورية في احتقار تام لذكاء الجزائريين.

 كان رد فعل الشعب الجزائري قويا، تحول الغضب إلى مسيرات شعبية كبرى اندلعت في 22 فيفري 2019 كل يوم جمعة في المدن الجزائرية الكبرى وحتى بعض المدن الاخرى في العالم حيث توجد جاليات جزائرية مطالبة برحيل الرئيس الذي حكم لمدة 6 سنوات وهو على كرسي متحرك، لم يستقل من منصبه الا يوم 2 افريل 2019 تحت ضغط الاحتجاجات العارمة وإعلان قيادة الجيش الوطني الجزائري ضرورة رحيل الرئيس.

 توارى الرئيس التونسي قيس سعيد عن المشهد السياسي منذ يوم 23 مارس الماضي، اثار هذا الغياب جدلا داخل البلاد وخارجها، خاصة وان تونس تشهد ازمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة وحركية دبلوماسية كبيرة في ظل مواقف وتصريحات العواصم الغربية حول احتمال تعرض اقتصاد البلاد إلى الانهيار، كما تؤكد تقارير إعلامية خاصة ايطالية وتونسية ان غياب ايّ نشاط

للرئيس التونسي يعود – وفي غياب ايّ بيان او موقف رسمي – وحسب بعض المصادر الاعلامية الغربية إلى ” تعرضه لازمة صحية ” بما قد يخشى معه ان يطرح مشكل وجود شغور في مؤسسة الرئاسة.

 انّ الوضع الطبيعي في كلّ النظم الديمقراطية ان يكون رئيس الدولة متفرغا لإدارة الشأن العام، هذا يفترض ان يكون في حالة صحية جيدة بدنيا وعقليا، ووضع سليم يخول له الاضطلاع بمهامه الذي انتخبه من اجلها الشعب على اكمل وجه.

 ان مرض رئيس أي دولة هو حدث جلل ومسالة لا يستهان بها، ليس شانا خاصا بل عاما يدخل في خانة الامن القومي لأنه يؤثر ويحدد مصير البلاد خاصة حين يكون النظام كما هو الشأن في تونس رئاسيا.

‎لذلك ووسط الصمت المطبق الذي مارسته السلطة يحق للتونسيين ان يطالبوا بالاطلاع على الوضعية الصحية الحقيقية لرئيس الدولة.