ماذا يحصل في تونس؟

بقلم – حذام محجوب

رئيس التحرير

 يبدو ان حرب الصلاحيات وصراع النرجسيات على السلطة لم يكن ظرفيا ولن يتوقف.

ان ما يحصل لا ينذر بخير باعتبار ان الرئاسات الثلاث التي تحكم البلاد ليست واعية بخطورة الظرف التي تمر به تونس، ولا تسارع لإصلاح الاوضاع الاقتصادية لإنقاذ البلاد من العطالة والإفلاس. انها أزمة مالية عميقة تذكرنا بنهاية حكم البايات التي تقاطعت مع أطماع الاستعمار الفرنسي في القرن قبل الماضي.

كما ان تونس على ابواب الموجة الثالثة لجائحة “الكوفيد – 19” وهي من البلدان المتأخرة في التلقيح، اذ يتلقى حوالي 5000 شخص يوميا التلقيح بمعدل 150000 في الشهر، بهذا النسق يبدو ان تونس بحاجة إلى أكثر من 3 سنوات لتطعيم 6 ملايين من التونسيين لبلوغ المناعة التامة لشعبها.

أعلنت وزارة الصحة انه مع نهاية شهر يونيو سيقع تطعيم 3 ملايين تونسي، في الآونة التي رجعت فيها اروبا إلى الحجر الصحي التام والى غلق حدودها، يصرح وزير السياحة التونسي بافتتاح الموسم السياحي وبفتح تام للحدود يوم 19 ابريل. ان التلقيح هو الحل الوحيد لانعاش اقتصادي ولإنقاذ ما يمكن انقاذه من الموسم السياحي ببعث صورة ” الشفاء من الكوفيد” إلى العالم. في مقابل هذه الأوضاع الصعبة تحكم تونس طبقة سياسية بعيدة كلّ البعد عن الواقع، متمادية في تصرفاتها الفردانية والنرجسية، الرئيس قيس سعيد الذي يحظى بشعبية كبيرة جعل من السياسة ورشة للقانون الدستوري، ولا يملك سوى الخطابات الفضفاضة التي فقدت القها ووقعها من فرط تكرارها في كل المناسبات دون تحسين ولا حتى تعديل.

 رئيس برلمان يتصرف في المجلس وكأنه في ضيعة عائلية،لا يخدم منذ توليه هذا المنصب سوى صفته الحزبية وانتمائه الايديولوجي وتحالفاته الاقليمية، لا يهمه عمل المجلس بقدر ما يهمه تمرير القوانين التي يريدها وتعطيل من ب تسبب له حرجا مع حلفائه. يتغاضى عن العنف داخل البرلمان حين يقع على خصومه السياسيين ويغذيه حين يرتكبه حلفاؤه. كل الارقام والاحصائيات في تونس تؤكد على فشله واستياء الناس منه وتراجع شعبيته، لكنه متمسك برئاسة البرلمان رغم ان اغلب الكتل البرلمانية قد اجتمعت على الاقرار بفشله في إدارة مجلس الشعب لعدم حياده بما في ذلك مجموعة لا يستهان بها من نواب حزبه، بل لعله يتحمل الجانب الكبير من الاحتقان الذي يحصل في البرلمان ومع ذلك فهو جاثم على قلوب التونسيين يناور كل مرة يشعر فيها بخطر ابعاده وسحب الثقة منه، فتتدفق الاموال من كل حدب وصوب لمن يغتر بالمال وهم كثر وتقدم الوعود لنيل المناصب لمن يبحث عن السلطة ويصل الامر حتى إلى وعد السجناء السياسيين بالحرية في ضرب صارخ لاستقلالية القضاء وهيبة الدولة.

 كل شيء يهون من اجل ان يبقى زعيم حركة النهضة على رأس البرلمان ويبقى متمتعا بالحصانة، وكأن تونس لم تلد غيره بل كأنه المخلص الوحيد الذي لا يمكن الاستغناء عن عبقريته وحصافته.
رئيس حكومة يدير الوقت الضائع ويحاول كسبه لصالحه لعله يمدد من فترة رئاسته وهو يعلم جيدا ان رئيس الجمهورية قد حسم فيه، وان رئيس البرلمان رغم دعمه السابق له، الا انه يمكن ان يقدمه كبش فداء في اي لحظة من اجل بقاء الشيخ على راس البرلمان. 
ماذا تبقى من الدولة اذا كان كل يغني على ليلاه ؟

 من سيواجه الازمة الاقتصادية إذا كان كل واحد من هذه” الرئاسات” هو في حد ذاته مشكل؟

 من سينقذ تونس من السيناريو اللبناني الذي بات على الابواب؟

 خاصة وان تونس تحتاج إلى اقتراض 20 مليار دينار هذه السنة؟

 ما هو موقف المانحين الدوليين الذين لا يرصدون اي مؤشر نمو فضلا عن غياب مشروع جدي في اصلاح الاوضاع الاقتصادية وعقلنة النفقات العمًومية؟ 
أيعقل ان يحصل كل هذا التمزق والتفتت حول الاولويات والاصلاحات والاجراءات الضرورية ؟

 ما العمل ؟ لا سيما ان الاحزاب السياسية باتت عبءا على المواطن التونسي اذ ترفض ان تجلس على نفس الطاولة لاستعادة هيبة الدولة باستعادة وحدة قيادتها ووحدة حوكمتها؟ 
اليس هنالك عقل حكيم في بلاد عرفت منذ فترة وجيزة بتصديرها للمعرفة والذكاء ؟

 أيعقل ان يصبح حلم معظم الشباب هو الهجرة بكل اشكالها ؟

 إلى متى يمكن ان يستمر هذا الهروب إلى الامام ؟
يبدو ان الاتحاد العام التونسي للشغل هو الوحيد الذي اصر على استرجاع وحدة البلاد رغم كل المطبات.

ويبدو ايضا ان امينه العام هو الوحيد الذي سعى دون يأس إلى جمع كل الفرقاء السياسيين والبحث عن المشتركات الوطنية من اجل انقاذ البلاد.

 لقد قام الاتحاد بمساعي جبارة للتوسط بين اهم مكونات السلطة في تونس لإقناعها بضرورة الحوار بينها بعد ان افشل رئيس الجمهورية مساعيه لحوار وطني وخيبت ظنه الأحزاب بتعنتها وشروطها المجحفة.

 يفاجئ اتحاد الشغل التونسيين بتحرك جديد يدخل في ” برنامج ب” وهو تحرك على واجهتين، اذ بدا جليا ان الاتحاد لم يعد ينتظر او حتى يأمل ان يأخذ رئيس الجمهورية بزمام مبادرة الحوار، بل جزّأ بكل دهاء مبادرته التي عرضها منذ أربعة اشهر على الرئيس إلى مسارات تتعلق بالسياسي والاقتصادي والاجتماعي كل على حده وان كان ذلك بشكل غير رسمي وغير معلن، فلقد اصبح المسار السياسي منفصلا عن المسار الاقتصادي والاجتماعي على اثر الاتفاق المشترك الذي وقع بين الحكومة واتحاد الشغل في غرة ابريل والذي سيكون اهم وثيقة تتقدم بها الحكومة التونسية إلى المؤسسات المالية الدولية للاقتراض بهدف سد عجز الميزانية وابرزها صندوق النقد الدولي الذي سبق ان اشترط على الحكومة خطة اصلاح معلنة تكون محل اتفاق مع الشركاء الاجتماعيين. وبهذا يكون اتحاد الشغل التونسي قد اخرج الملفات الاقتصادية والاجتماعية الحارقة من الحوار الوطني المزمع عقده والذي لم يعد مستعجلا بعد ان نجح الاتحاد في الوصول إلى اتفاق مع الحكومة لعله طوق النجاة للوضع الصعب للمالية العمومية وكذلك للحكومة التي سيكون من الصعب تغييرها باعتبارها ستدخل في مسار تفاوضي مع المؤسسات المالية المانحة لإبرام اتفاق مالي عاجل. لم يبق لرئيس الجمهورية ورئيس البرلمان غير فتح ملفات سياسية تتعلق بالقانون الانتخابي والنظام السياسي.

فهل سيشتغلان كل من موقعه على هذه المسائل الذي يتفق اغلب التونسيين على ضرورة تعديلها وتغييرها؟

 ام انهما سيواصلان المناكفات السياسية والصراعات على الصلاحيات خاصة وان هذه الملفات هي وفقا للدستور التونسي تدار وتحسم في البرلمان؟ ماذا سيكون موقف رئيس الجمهورية؟ وهل سيستغل رئيس البرلمان خروج المبادرة عن الرئيس للسعي إلى اضعافه؟ ام انه سينشغل في الأيام القادمة لترسيخ بقائه على راس البرلمان التونسي؟.

One thought on “ماذا يحصل في تونس؟

  1. تونس عرضة اليوم للنهش من قبل أولادها، مواطنين كانوا أم مسؤولين في مختلف المواقع .
    إن ما يجمع بين المواطن والمسؤول هو التنكر لسلطة الدولة و السعي إلى الإفلات من طائلة القانون. فنشاهد يوميا و بالعين المجردة انحسار دائرة السلطة حد العجز. تعيش تونس حالة عطالة شاملة، جراء تنظيم سياسي هجين ولد ممارسات لا يجمع بينها إلا نفي حقيقة الدولة ودورها.

Comments are closed.