مفارقات مسلسل الاختيار

بقلم د. حسن حماد  استاذ الفلسفة بجامعة الزقازيق والعميد الأسبق لكلية الآداب 

انتابتني فرحة عارمة عندما قرر التليفزيون المصري عرض مسلسل يعرض لملحمة جيشنا المصري العظيم في حربه الطويلة ضد الإرهاب ، وقلت لنفسي أخيرا سنشاهد شيئا مختلفا في ظل ركام تفاهات رامز والسقا وفيفي عبده ومحمد رمضان الذي تحول إلي ايقونة في نظر الجماهير المغيبة التي كانت تصب عليه لعناتها منذ أيام قلائل.

نعود للاختيار كنت اتصور ان مؤلف النص سينطلق من مفارقة الصراع بين البطل الشهيد أحمد المنسي والخائن الإرهابي العميل هشام العشماوي والذي كان للأسف ضابطا بالجيش المصري مثل سلفه عبود الزمر.

كنت أتصور أن العقدة أو الحبكة الرئيسية في المسلسل هي : كيف استطاع هذا التفكير الإرهابي أن يتسرب إلي هذه المؤسسة الوطنية العريقة وقد وجدت الإجابة بالصدفة في المشهد الذي جمع بين الشيخ رمضان عبد المعز وهو أحد مشايخ الفضائيات الكيوت الجدد ممن كانوا ينتشرون علي الفضائيات أثناء حقبة حكم الإخوان  وهو ينتمي لنفس مدرسة عمرو خالد. وقد تصورت أن المسلسل قد جاء  بهذا المشهد ليؤكد أن الخطر سيأتي من هؤلاء  لكن فوجئت أن المشهد موظف دراميا لخدمة تصور ساذج يحاول الدفاع عن أبن تيمية وقد استخدم فضيلة الشيخ كل الألاعيب الحركية واللغوية والسردية لبيان محاسن ومآثر أبن تيمية والذي يعد أكبر مصادر التكفيرفي الفكر الإسلامي إذ كفر اليهود والنصاري والفلاسفة والمتصوفة!!!!! المفاجئة الثانية أن المسلسل استعان بممثل جديد أسمه أحمد الرافعي ليمثل دور مفتي الإرهاب .

المفارقة العجيبة أن هذا الممثل قام من قبل بتكفير معظم الحداثيين في مصر وعندما قام المذيع نشأت الديهي بمحاورته أصر علي موقفه وتحدث بنفس إسلوب وخطاب ومفردات التكفيريين. أدعوكم لمشاهدة  مداخلته الصوتية علي اليوتيوب. تري أين تكمن المشكلة؟ المشكلة في نظري تكمن في طبيعة العقل المصري- وربما العربي- الجمعي ، وهو عقل لاهوتي بامتياز . هذا العقل تربي منذ العهد العثماني علي نمط التفكير الديني ولم تستطع قشرة الحداثة في عهد محمد علي وجمال عبدالناصر  ان تطال أو تصل إلي المكونات الإبستمولوجية أو المعرفية لهذا العقل ، ومن ثم فقد ظل محبوسا داخل إطار مرحلة التفكير السحري والأسطوري . ثم جاءت نكسة ٦٧ لتكشف وهم الدولة القومية وتصيب القوميون بجرح نرجسي لم يبرءوا منه حتي الآن .

وكانت موجة تديين المجتمع وأسلمة الفضاء العام طوال حقبة السادات بمثابة رد فعل لحالة اليأس والإحساس بالأنكسار . إن هذا العقل اللاهوتي المنكفئ علي ذاته ، الاجتراري، النقلي، الماضوي، النرجسي، النصي، الإرهابي، التكفيري، السحري، الأسطوري التبريري ، الكاره للفلسفة والمنطق والعلم والمعادي للإبداع وللأنوثة….. هذا العقل البائس هو المسيطر علي النخبة وعلي العوام ، وحتي عندما تحين الفرصة للنخبة لتتمرد او تتحرر من قبضة هذا العقل لاتجد في طريقها سوي مسلماتها ونصوصها وسردياتها القديمة لتتكئ عليها وتلجأ إليها في مواجهة أزماتهاالراهنة أو المستجدة. ولأن العقل الجمعي المصري عقل ديني لذلك هو ينفر من كل ماهو حداثي أو إبداعي ويتعامل بشراسة وعنف وإقصاء مع أي محاولة تستهدف تغييره أو تحريره.

إن ما نحتاجه في المرحلة القادمة هو تغيير العقل الجمعي وتطهيره من كافة مسلماته وأوهامه، وقد آن الأوان لأن يدرك صانع القرار أن المعركة مع الإرهاب ليست معركة أمنية فحسب بل هي معركة فكرية أولا وأخيرا.

بقلم د. حسن حماد  استاذ الفلسفة بجامعة الزقازيق والعميد الأسبق لكلية الآداب