من مدينة صفاقس البائسة..

بقلم – محمد الناصر بن عرب

إلى السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية،

تحية طيبة لشخصكم الكريم

وبعد،

كل المدن تمثل كيانا معنويا في نفوس الناس وتربطهم بها روابط عديدة وطنية وثقافية ودينية وتاريخية ومادية تُوَلِّدُ في نفوسنا شعورا إنسانيا نبيلا.

مدينة صفاقس العتيقة مسقط رأسي، أحبها ولا أستطيع الاستغناء عنها حتى لو تركتها لمتابعة دراستي في الخارج. ومهما مر الزمان رجعت إلى حي طفولتي ورغم الحالة المزرية التي عليها المدينة لقد استثمرت في مدينة صفاقس العتيقة من خلال إنشاء فندق ذي طابع مميز تحت لواء وزارة السياحة.

لكنني مستاء رغم أنني لست متشائما ولا سلبيا.

أنا واقعي، أُصَدِّقُ ما أرى.

 عندما أرى الخراب والدمار الذي حل بمدينة صفاقس العتيقة أرى وكأنني فقدت عزيزا لدي.

صفاقس المدينة الثانية في الجمهورية التونسية، موطن العلم والمعرفة وروح الصناعة والتجارة والفلاحة أهملها أهلها واشتد عدم اكتراث الدولة نحوها !!!.

أتساءل أين اختفى زين صفاقس ولذة الحياة فيها؟ أين هم أحباء صفاقس؟ معالمها تحرق يوما ومنازلها تهدم يوما آخر، وتلتهم النيران أسوارها. أبكي على صفاقس لأنها فقدت عزتها وأناقتها وهجر أهلها الديار وهي على وشك الانهيار.

 أنا أسأل كل دار من كان يسكنها ؟ وكل باب يخبرني أن القوم قد رحلوا.

 البعض ترك دياره شاغرة وآخرون سلموها للإيجار. منازل شاغرة دون سكان ودون صيانة بعضها متداع للسقوط وأخرى يسكنها النزوح الجماعي من الريف.

 نزوح عشوائي يفرض ضغوطا هائلة على البنية الأساسية بكل مستوياتها.

 نزوح مزدوج بتحطيم المعمار المندرج على توظيف المنازل إلى مصانع حرفية حتى أن مدينة صفاقس العتيقة أصبحت منطقة صناعية خاصة بالأحذية وفقدت صفاقس العتيقة أسواقها التراثية وصناعاتها التقليدية.

 لم يتحرك ساكن للسلطة لصيانة مدينة صفاقس والعناية بها. ولم يتطوع أهل المدينة للإصلاح الذي ينبغي لصيانة المدينة.

فها هي مدينة صفاقس وحيدة تواجه الدمار والانهيار دون رحمة ولا شفقة.

تأسست مدينة صفاقس العتيقة سنة 235 هجري/ 849 م. في العهد الأغلبي الذي كان يخضع للدولة العباسية حينما كان هارون الرشيد خليفة.

 فهي تعتبر من أهم تراثنا الوطني. أضف إلى ذلك المخزون الأثري الكبير والرائع الموجود بولايتها. فنحن نتساءل لماذا لا تحظى مدينة صفاقس وولايتها من طرف الدولة بالرعاية اللازمة والإرادة الصادقة والاهتمام حتى يتغير واقعها لما هو أفضل وتصبح جوهرة أخرى ضمن التراث التونسي؟.

 الانتصاب الفوضوي والباعة المتجولون في أبواب دخول المدينة لا يسر الزائرين.

 فلا بهاء ولا نظافة ولا أناقة ولا أخلاق للترحيب بالناس والسياح: همجية بأتم معنى الكلمة ينفر منها أغلب الناس القادمين على الدخول إليها، للدخول إلى مدينة عتيقة تاريخية !!.

 عندما يتقدم الزائر داخل المدينة يجد الشوارع قذرة والأرصفة محفورة. ترعى فيها الفئران أحيانا.

عادة ما يوجد مكتب للأمن في المدينة. هنا بمدينة صفاقس العتيقة المكتب مفتوح ككل المكاتب نهارا لكنه مغلق في الليل ويقولون إن دوريات الشرطة تقوم بحراسة المدينة ليلا !!!.

أتوجه لسيادتكم وللسلطة العليا التي تشرف على بهاء تونس من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب فأقول: تركتم مدينة صفاقس ولم تقوموا بصيانتها ولم تحققوا في أرجائها مشروعا واحدا صالحا لسعادة سكانها فلا حدائق في أرجائها ولا أزهار تزين شوارعها ولا مكتبات ولا قاعات سينما ولا نوادي ولا أوبرا ولا مسابح ولا شواطئ ولا فضاءات ترفيهية ولا ملاعب رياضية كافية لمدينة في حجم مدينة صفاقس وضواحيها مخصصة لسكانها وللعدد الغفير للطلبة الذي يملأ مدارسها وجامعاتها.

فكيف العمل سيدي الرئيس لإنقاذ مدينة صفاقس من هذا الازدراء وبعث مشاريع ترفع من شأنها وترضي مواطنيها؟

نأمل أن تطلعوا على محتوى رسالتنا هذه سيدي الرئيس للنظر في شأن مدينة صفاقس وولايتها ونحن نترقب أمرا من لدنكم لتنفيذ الإصلاحات اللازمة حتى يتغير الوضع الوخيم الراهن بمدينة صفاقس لما هو أفضل.

وتفضلوا سيادة رئيس الجمهورية بقبول أسمى عبارات التقدير والاحترام.

الحكيم محمد الناصر بن عرب.