نجوى الصغير..!

بقلم – حذامي محجوب

المرأة أقرب الكائنات إلى الكمال، إنها وسط بين الرجل، والملاك….

على مسافة عشرة كيلومترات من موقع معركة زاما الشهيرة، التي جمعت القرطاجنيين بقيادة حنبعل والرومان بقيادة شيبو الإفريقي في إطار الحرب البونيقية الثانية، في هذه المنطقة تحديدا، منطقة التل الأعلى، التي تفصل الوسط التونسي عن الشمال الغربي ولدت وترعرعت فتاة في منتهى الفطنة والذكاء. ولدت في مدينة يتوفر بها الماء والمرعى والأراضي الخصبة، لكن الحياة الاجتماعية فيها كانت ولا تزال قاسية خاصة بالنسبة للنساء.

إن صعوبة العيش والصراع من اجل إثبات الذات قد نحت شخصية هذه المرأة الاستثنائية التي حققت بفضل ذكائها وإصرارها على التعليم ما لم تحققه الكثيرات ممن توفرت لهن كل الظروف للنجاح،وممن تمّ تقديم لهن الفرص على أطباق من الورد.

هذه الفتاة هي السيدة نجوى الصغير، التي انطلقت من مدينة سليانة لتتميز وتحلق عاليا في فضاء العالمية وتعمل في أكبر الشركات الدولية.

نجوى صاحبة الذهن الوقاد والذكاء الرياضي الحاد الذي برز منذ صغر سنها ولفت انتباه مدرسيها، ذكاء مكنها من ان تتحصل بمجهودها ومثابرتها على المنحة التي كانت تعطيها وكالة التنمية الدولية للطلبة من النوابغ والتي مكنتها من الالتحاق بجامعة ويسكونسن – ماديسون بالولايات المتحدة، حيث تميزت و تحصلت على ديبلوم عال في الهندسة –هندسة صناعية، ثم انتقلت إلى مدرسة البوليتكنيك بمونتريال، كندا لتتميز كعادتها في العلوم وبالتحديد في الرياضيات التطبيقية.

كانت رحلة نجوى من سليانة تونس، إلى أمريكا ثم كندا، حيث استقرت، رحلة معرفية بامتياز، أرادت منها النهل من معين العلوم المعاصرة ومنبع التقنيات العصرية.

 كان ذهن نجوى الوقاد وفضولها وطموحها المعرفي هو الذي يدفعها إلى مراكز المعرفة، لا مواقع المال والسلطة.

عملت نجوى الصغير كمهندسة ومستشارة تحليلية في إدارة الأعمال بصفتها تتمتع بكفاءة تقنية عالية في مجالات الهندسة والرياضيات التطبيقية، تألقت في علم البيانات والذكاء الاصطناعي كما اكتسبت خبرة بفضل العديد من الوظائف التي تقلدتها وقدمت الكثير في مجالها للشركات التي عملت فيها وكونت العديد من الكفاءات الموزعة في كافة أنحاء العالم اليوم.

شغلت نجوى خطة محللة بحوث العمليات في الخطوط الجوية الكندية وكانت على التوالي مديرة مشروع تحسين الموارد ثم رئيسة إدارة والمسؤولية المباشرة عن تحسين الشبكة الجوية بالخطوط الجوية الكندية.

تحب نجوى التحديات وتراهن على نجاح ونجاعة المشاريع التي تشرف عليها، لذلك انتقلت من إدارة الطيران إلى مجال آخر هو مجال صناعة الأدوية لتضع خبرتها في خدمة أكبر الشركات العالمية لصناعة الأدوية ( فايزر، ميرك، نوفارتيس، سانوفي، الخ…).هذا الاختيار المهني لم يكن اعتباطيا، بل قامت به لاهتمامها بالبيئة وبصحة الإنسان، لقد قادتها تجاربها ورحلاتها إلى أن الصحة هي أثمن ما يجب أن يرصد له الإنسان من جهد وإمكانيات وان الحل في الطبيعة التي يعيش فيها.

كل هذه الاختصاصات التقنية المحضة التي تتنزل في إطار ما وصل إليه العلم اليوم من نمذجة التي تحذقها نجوى الصغير، لم يمنعها من التألق في مجال العلوم الإنسانية، فكانت حريصة على متابعة دورات جامعية في المواضيع القريبة من اهتماماتها الشخصية ومن ثقافتها كعلم النفس والفلسفة والأديان الشرقية التي تستمد منها نظرتها للكون والوجود.

نجوى الصغير هي فعلا امرأة استثنائية، تتصف برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم مع التواضع والبساطة، سيرتها وكفاحها أقرب إلى سير الأبطال من سير النساء، إنها محاورة شرسة إذا جادلتها غلبتك بقوة برهانها وفصاحة لسانها ووضوح رؤيتها، إنها امرأة عظيمة تملك حسا إنسانيا مرهفا وفلسفة للحياة.

إنها نموذج المرأة المناضلة الطموحة التي تميزت بجمعها بين التحصيل العلمي والتقني الاستراتيجي والحس الروحي الذي يبحث عن الأفضل في الإنسان في كل ثقافة ينهل منها.

إنها امرأة رائدة تجمع بين الأصالة والحداثة وبين الخصوصية والكونية، هي فعلا حفيدة حنبعل، قائدة وقدوة، جمعت بين النضال والتحدي والتميز، سارت على خطى حنبعل الذي عرف بعزمه وإصراره حتى بلوغ الهدف وبقدراته التنظيمية العالية والاستبسال في ساحات الوغى.

الم يقل “إذا لم تجد حلا فلتصنعه”.

3 thoughts on “نجوى الصغير..!

  1. Mille merci Mme Hadamy pour ce portrait de Najoua, mon Amie depuis quelques années connue à Montréal par des amis communs ils forment un adorable groupe de Tunisiens qu’on trouve nulle part ailleurs tous accueillants travailleurs , très bien intégrés au Canada . Nous passons des belles soirées autour de succulents plats tunisiens et animées souvent par des chansons du repertoire traditionnel. Avec Najoua je parle de tout et de rien, surtout des enfants toujours dans une ambiance très amicale et de modestie réciproque. Je
    savais qu’ elle est ingénieur mais j’ignorais tous les détails cités dans ce portrait . C’est pas étonnant de la part de Najoua qui est discrète et modeste .

  2. فعلا نجوى وليدة بيئة تصنع من الصلد رخوا فهي ابنة السياسي المخضرم عمر الصغير البرقاوي اصيلة جبل برقو و ما يكتنزه من تاريخ مشرق و نضال مستمر.
    ما أحوج تونس اليوم لكفاءات أبنائها و بناتها المتواجدة في جميع الأقطاب العلمية و الصناعية في العالم

  3. نجوى هي مثال الأنثى المثقفة التي يُحتذى بها و هي كم أشرتم تتميز بشدة الذكاء و التواضع…
    هي حقا، مفخرة لكل التونسيين و خنجر في حلق السلفيين!
    بالتوفيق نجوى الغالية!

Comments are closed.