بقلم – أبو بكر الصغير
إن أعظم مرض يهدد شعبا مهمّشا مثل شعبنا هو انحلال الروح والإبادة التدريجية للأخلاق وضعف الأذواق، في هذا الجانب تكمن أخطار المستقبل الكبيرة.
في وعي تام بنتائج سياسات العقد الفارط، وفي ادراك لما آلت اليه اوضاعنا، ودون تحامل او تصفية حسابات يصدح المرء بالحقيقة،انّ ما حصل هو جريمة في حقّ هذا الشعب بما هو موصول بوضعه الداخلي وعلاقاته الخارجية.
هذا ما تهجس به ضمائر كلّ الوطنيين الغيورين على هذا الوطن، مستندين الى ما جنته البلاد من خراب ودمار وفساد وتفقير وتجويع لشعبها..
غاب عن هؤلاء الذين حكموا انّ التقدم الاقتصادي اولى اشتراطات ودعامات اي حياة ديمقراطية التي هي نفسها من الركائز الاساسية لدعم النجاحات الاقتصادية وتطوير المجتمع وتبديل سمات الانسان والفعل في تمثّلنا للمستقبل واحساسنا به.
وغني عن القول انّ فكرة المستقبل هذه الاساسية بالنسبة لايّ مشروع اصلاحي لا نرى ايّ احالة لها في كلّ المشاريع السياسية التي تمّ طرحها منذ سنة 2011.
فلا يمكن ان تحكم شعبا إلا بأن تريه المستقبل وماذا تخطّط وتعدّ له.
انّ النظرة المستقبلية هي الصفة الرئيسية التي تميّز الإنسان المتقدّم عن الانسان المتخلّف، نفس تقدير الموقف مع التنظيم او الحزب السياسي وبما يؤسّس له من مشروع سياسي.
فالذي يجعل همّه في الماضي لا يمكن له ان يصنع او يكتشف المستقبل.
طوال عقد من الزمن سيطرت قوّة سياسية واحدة على الحياة الوطنية كان بيدها الحلّ والربط في كلّ شيء، هذه القوة بقيت عالقة بالماضي، مشدودة الى الوراء، منكفئة على قرون مضت حتى انقطعت الصلة بالواقع لكي لا نقول انكار المستقبل.
لكن هل يعوّض مليون ماضِ مجيد لهذا الشعب حاجياته الحياتية اليومية وطموحه بحدّ ادنى من الامان والاستقرار والرخاء وحلم ولو يكون صغيرا بانّ غده سيكون افضل من يومه.
راينا كيف قام اتباع هذا الحزب ببذل اقصى الجهود لجر الناس إلى التدين حتى لو كان شكليّا، وحثّهم على فتح الكتاتيب وتشييد دور العبادة، ماذا لو قسّموا هذا الجهد لتوعية الناس بقيم العمل والبذل وانتاج الثروات والبحث والتجديد وحتى احترام سلوكات المواطنة.
لم نسمع كلمة مستقبل لدى رئيس حركة ” النهضة ” راشد الغنوشي الاّ عند الحديث عن مستقبل تنظيمه !.
هذا المستقبل الذي غاب عنه، سيخلد التاريخ انّ ” جماعة اسلامية ترفع راية الاسلام ( بمفهومها طبعا ) تمكّنت من ” امارة ” تونس لم تعمّر فيها الاّ عقدا من الزمن بعد ان تحالف الجميع ضدّها، كما سيذكر التاريخ ان تنظيما دوليا للاخوان المسلمين بلغ الحكم في ارض العرب سرعان ما افتكّ منه بفعل عجز عن وضع سياسات تسعد الشعوب.
انّ السياسة والدين مصدرا قوة رهيبة، فى حالة إساة إستخدامهما سيكون هناك خطر على من يمسك بهما، فليس أخطر على دولة ما من الخلط بين المكر والحكمة.
هذا ما عشنا في سنوات خلت، لكن هل تداركنا الامر اليوم ؟، واكتشفنا الحلقة المفقودة في التعاطي مع شاننا الوطني، وهل وعى الفاعل السياسي الوطني بذلك ؟، إن نهضة أي بلد مرهونة بحركة الوعي فيه وبمقدار ما تستبق به أحداث الحياة وتستشرف لها المستقبل.
نحن باوكد الحاجة اليوم الى استخلاص الدروس ممّا سبق، وتجنّب الادّعاء بالقدرة الشخصية على حلّ كلً المشاكل بمقاربة فردانية،بقدر ما ضرورة تشريك الجميع في هذه المسؤولية مع حسن التمعّن في حقيقة التحديات التي تواجه البلاد والتشبّث بديمقراطية مسؤولة،ديمقراطية المستقبل التي تجمع ولا تشتّت، توحّد ولا تقسّم، تحقّق النجاحات دون صلف مغلوط وتنصّت على ضمائر المواطنين والسنتهم، وتنشر مبدا الاستشارة وتتقدّم بخطى راسخة نحو الجمع الواعي بانسجام وتكامل بين قيادة البلاد وشعبها والمستقبل.
انّ نظرة للتاريخ تظهر لنا أنّه لم يستطع قائد أن ينجح في تسيير شؤون وطنه دون أن يقنع أتباعه بأنّه قد وضعهم في المقام الأول وقبل كل شيء.