هذا الرجل سبق عصره …!

تونس – عرب 21:

يشهد العالم، اخطر تحولاته في شتى مجالات حياة الانسانية، في المناخ، في الطاقة، في شحَ المياه، في الزراعة …

 تتراكم المشاكل وتكبر التحديات ويعجز الخبراء عن توفير الحلول بما يؤدّي الى حالات من اللاّاستقرار والفوضى، من ذلك ما يحصل هذه الايام في فرنسا وعموم بلدان اوروبا من ثورة المزارعين التي هي اكبر الادلَة على ذلك.

 في تونس، هنالك رجل بمثابة شعلة من الذكاء والخبرة، اعترف به الاشقاء والاصدقاء وانكره اهله.

له دراية وخبرة ومعرفة في التعاطي مع هذه المشاكل ليس تنظيرا او مجرّد كلام بل بالاثباتات والتجارب المخبرية وحتى الميدانية العلمية والتي انجزها حتى امام لجان تحكيم وخبرة عالمية.

انًه السيد السيد الحبيب سبري، رئيس مجمع السبري الذي له تصوّر ومقاربة لمسالة الامن الغذائي كاحد عناصر منظومة الامن الشامل للبلدان.

أعدّ دراسة منهجية حول هذا الموضوع الخطير الذي يشغل كل دول وحكومات العالم تضمنت مقاربات جديدة عملية وحلول لهذه المشاكل:

النقطة الأولى:

تحدي توفير الموارد الغذائية الأساسية والاستخراجية “المخاطر”.

يشير السيد الحبيب السبري، انه منذ بداية سنة 2012 انطلق في سياق عمل مجمعه في دراسة متواصلة لتحسس مخاطر حصول شح في الموارد الغذائية الأساسية التي تتمثل أساسا في الحبوب بما فيها العلفية كذلك اللحوم الحمراء والبيضاء ومنتجات الصيد البحري والالبان ومشتقاتها.

حيث خاض المجمع قبل ذلك ومنذ انطلاقة نشاطه في المجال الفلاحي مع بداية سنوات الالفين تجربة ميدانية انتجت عديد الدراسات المعمقة تحسست وتوقعت كلها وجود مخاطر جدية. على صلة مباشرة بالموارد المائية ملازمة مع الطاقة.

 خلصت الدراسة. الى ان اسعار الطاقة في ارتفاع متواصل كما ان المياه الجوفية في تناقص من يوم الى اخر منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، اما مياه السدود والامطار فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة انها لم تعد كافية لسد حاجيات الري ُكذلك مياه الشرب والحاجيات الحياتية الأخرى لحوالي 12 مليون نسمة، بالتالي فان الاكتفاء الذاتي لسكان الكرة الأرضية، كذلك المواشي وبقية الكائنات الحية الأخرى في خطر محدق.

النقطة الثانية:

الأصل في مشكل نقصان الموارد الغذائية وتراجع انتاجها.

تطرق السيد الحبيب سبري منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي. لدراسة معمقة تتناول الظاهرة بالتحليل العلمي وقد خلص منذ ما لا يقل عن 40 سنة ابحاث في مجال وفرة المياه الى ان المشكل يكمن في تناقص المياه الجوفية، بشكل لا رجعة فيه لأنه في الغالب وبطبيعة هاته الموارد هي غير قابلة للتجديد.

 كما نلفت انتباهكم الى ان ظاهرة نقصان المياه هي ظاهرة خطيرة في انتشار واسع الى حد انّ الامر شمل كذلك المياه الجوفية في عديد المناطق في البلاد كانت في ماض قريب تعرف بوفرة نوعية هذه المياه.

 اذن التشخيص الدقيق والمعمق لمشكلة النقص المحدق بالغذاء يقودنا حتما وبإثباتات علمية غير قابلة للتشكيك ان نقص المياه الجوفية للبلاد التونسية يؤدي الى تراجع القدرة الإنتاجية للموارد الفلاحية كذلك بالنسبة للموارد الغذائية.

 اضافة الى ارتفاع كلفة استخراج وضخ المياه الجوفية وبالتالي ارتفاع الكلفة الطاقية للإنتاج الفلاحي.

تجدر الإشارة الى ان زيادة الطلب على المياه الجوفية غير المتجددة وزيادة الضخ من شانه انخفاض منسوب هاته المياه المخزونة في باطن الأرض، بالتالي زادت تكلفة الضخ من عمق في تزايد من يوم الى اخر وزادت مشكلة نضوب المياه وشحها سواء كانت استعمالاته بغاية الري /الإنتاج وفي كل شيء وبالطبع مياه الشرب وهو ما وصلت له بلادنا مع بداية السنة الماضية

2023 الى اليوم وإذا ما لم نجد الحل المناسب في وقت وجيز سيتفاقم المشكل أكثر فأكثر وسنجد أنفسنا على حافة العطش.

النقطة الثالثة:

 الفلاح التونسي مهما كان حجمه هو فلاح يعاني التهميش وغالبا ما يكون في وضعية مالية هشة.

يعاني الفلاح التونسي ومنذ فجر الاستقلال من التهميش وتأخر او عدم الدعم والتأطير الشامل وبالتالي يجد نفسه خارج اللعبة الاقتصادية ويتحمل كأضعف حلقة في منظومة الإنتاج تتالي الخسارات من موسم الى اخر مما جعل وضعيته الاقتصادية متردية وبالتالي هو غير قادر على رفع تحديات الامن الغذائي المطروحة حاليا خصوصا في ظل غياب رؤيا اقتصادية ذات جدوى استراتيجية وطنية بتوفير تأطير مالي وخاصة تقني في مستوى التحديات.

النقطة الرابعة:

 تحدي إرساء قانون المنظومة الغذائية.

المقترح للنهوض بالقطاع الفلاحي والرفع من مكانة الفلاح ومردوديته وبالأحرى مساهمته في دعم الإنتاجية الوطنية، فالدعوة مفتوحة وعاجلة للدولة التونسية بجميع مواردها وامكانياتها وطاقاتها المادية والبشرية لإصدار وتفعيل قانون صارم لتنظيم الفلاحة بصغار وكبار الفلاحين في الاتجاه الصحيح لغاية ضمان ربحيتهم وبالتالي ديمومة القطاع ليكون الفلاح هو محور الاهتمام وعماد الإنتاج وبعيدا كل البعد عن تجاذبات المحتكرين والوسطاء.

وحيث طبقا لهذه الدراسة التي تكفل للفلاح مهما كان حجمه النجاح المستمر والتدرج في التوسع وتطوير المشروع هذا مشروط برسم خارطة فلاحية متطورة وذكية قابلة للتحيين تعمل في اتجاه ضمان الاكتفاء الذاتي في قطاعات الإنتاج الاستراتيجية المذكورة انفا.

مع التذكير على وجوبية تحلي هذه المبادرة بتشريك اهل القطاع في كل المراحل لسن وإرساء هذه المنظومة القانونية الجديدة.

وتجدر الإشارة الى ان الحس الوطني لدى. المسؤولين يتطلب تحري تحديات هذا الهدف والقيام بدراسات استشرافية لاحتساب توقعات مستويات الاستهلاك وتطورها من مرحلة الى أخرى ومقارنتها بالقدرة الإنتاجية لكل مرحلة وبالتالي استخلاص النقص الفارق الذي يجب برمجته ضمن برنامج اهداف انتاج وطني يلتزم به المتدخلون من القطاع الخاص وتدعمه الدولة وتؤطره بكامل امكانياتها وثقلها.

النقطة الخامسة:

 أهمية إرساء منظومة مائية ناجعة لضبط معادلة الإنتاج الحالية والرقي بها لتحقيق هدف الاكتفاء الذاتي.

بالتدقيق في الأرقام الحاصلة لسنة 2023 يتوقع ان يؤمن الإنتاج الوطني معدل 15 % من حاجيات البلاد الى غاية حصاد الموسم الحالي 2024 وبالتالي 85 % من الحاجيات سيقع تأمينها باللجوء الى التوريد بالعملة الصعبة مع التذكير بان هاته الواردات مبرمجة لسد حاجيات حوالي 12 مليون نسمة يضاف إليهم 3-5 ملاين زوار سنويا.

 لكن بالتمعن في معادلة المياه والإنتاج والقيام بالتقاطعات اللازمة مع موضوع الطاقة وخاصة البديلة منها يتجلى لنا بان الحل في منظومة مياه ذكية في محاكاة للرقعة الجغرافية الفلاحية يمكن ان يؤمن ليس فقط احتياجات ل15 مليون نسمة بل وبدون مبالغة 120 مليون نسمة وذلك دون اللجوء البتة للتوريد شرط ان الحل يجب نحته بسياسة طاقية رشيدة تعتمد على طاقة بديلة ذكية وفي المتناول.

النقطة السادسة:

 البديل المطروح في إجابة على ثنائية الامن الغذائي والمائي ومعادلة الطاقة البديلة.

انطلاقا من سؤال اين سيقع تعويض هذا النقص المزمن في الموارد المائية الجوفية والتحدي الأكبر هو الولوج الى هذه الطاقة بأقل تكلفة ممكنة وسحب ذلك على توفير ونقل المياه.

فالحل المقترح مثلما يرى جل الباحثين هو تحلية مياه البحر بما ان مياه البحر تعتبر موارد طبيعية متوفرة ومؤهلة لتكون حلا أساسيًا لاستصلاح واستغلال الأراضي المهملة وهي أراضي خصبة ذات مردودية عالية كما وكيفا تنقصها الموارد المائية وتمثل هاته الاراضي حوالي 80% من المساحة الجملية للأراضي الفلاحية القابلة للاستغلال بالبلاد التونسية لكن هنا وجب التنبيه الى ان إيجابية وفرة المياه في استخراجها من البحث تعادلها كلفة طاقية حالية ضخمة للتحلية والضخ وهو ما يحمل كل متر مكعب عشر مرات الكلفة الحالية.

وفي الأخير يوجه السيد الحبيب السبري الدعوة مفتوحة لمواصلة البحث والتجارب معا، بغاية الوصول الى نفس التكلفة لكل متر مكعب في المياه المستخرجة والمحلاة من البحر ومن ثمة ضخها للوصول الى كلفة غير مشطة تنزل الى اقل عبء ممكن مقارنة بالتكلفة الحالية وهو ما سيمكن الدولة التونسية من الاستغناء كليا عن التوريد والدعم في المجال الفلاحي والتركيز في ما هو اهم لمصلحة الوطن.

 انها رؤية خبير لمجال استراتيجي بما يفتح آفاقا للحل.