وثيقة: رؤية مجمع السبري حول منظومة الفساد في قطاع النقل البري للبضائع بالبلاد التونسية

تقديم:

تنشر “عرب 21” وثيقة مهمة تعتبرها اهم مقاربة علمية ميدانية في سياق عمل بحثي قام به من يعدّ احد ابرز الخبراء التونسيين اليوم وهو السيد الحبيب السبري رئيس مجمع السبري، هذه الشخصية والقامة العلمية البارزة. التي أصبحت تحظى بمكانة عالمية في مجالات التحديث والتطوير الصناعي وكذلك الاختراعات والاكتشافات في مجالات المعادن والطاقة والمياه والزراعة.

يطرح السيد الحبيب السبري آراء ومواقف في مجالات موصولة بعملية التنمية كم تحتاجها بلادنا اليوم، بما يتّجه على المسؤولين الإنصات إليه والاطلاع على ما يطرحه، والذي يجد مع كلّ الأسف اهتماما ومتابعة من قبل ابرز المؤسسات والهيئات العالمية التي تعلم جيّدا مكانة هذا الرجل وما يكسبه من معارف وخبرات توفّر أفضل الحلول لمشاكل البشرية اليوم ومستقبلا:

—————————

يتضمن هذا المقال تقريرا مفصلا بالتحليل الفني والمالي لكارثة منظومة النقل البري للبضائع بالبلاد التونسية، وذلك حسب دراسات معمقة ونظرية وميدانية إنطلق فيها مجمع شركات السبري منذ أوائل تسعينات القرن الماضي كما يخلص إلى الإخلالات والإجراءات المغلوطة وفي الآتي شرحها:

أولا: تتولى وزارة التجارة التونسية التكفل بعملية توريد الشاحنات الثقيلة بطاقة حمولة فنية مصادق عليها من قبل المصنّع من 5 إلى 100 طنا، بينما يمنع قانون النقل البري ساري المفعول هاته الشاحنات من الجولان لأن حمولتها تتجاوز السقف القانوني المسموح به ألا وهو 18 طنا، كحد أقصى وهنا وحسب ما سيقع استبيانه بالحجة والبرهان العلميين مكمن الخلل.

بما يدفع إلى التساؤل: لماذا أعطيت التراخيص اللازمة وبالتالي رخص الجولان لهاته الشاحنات بالتوريد او بالتصنيع المحلي لمجرورات ومقطورات تصل حمولتها إلى 100 طنا بما يرتقي معه خرق واضح للقانون.

و لماذا التوريد أصلا؟ ولماذا التصنيع في حمولات متجاوزة؟ هل يعقل هذا في دولة القانون؟.

ثانيا: فتح المجال للتعطيل والشبهات في تطبيق القانون على الطرقات بخصوص الحمولات المتجاوزة، حيث تتعدد الخطايا والمحاضر وكذلك حالات الإفلات من العقاب بصفة جلية اثناء محاولة تطبيق قوانين المرور على منظومات نقل غير عصرية تحكمها قواعد فنية مغلوطة والناتج عنها مخالفات مشبوهة تضر بالاقتصاد الوطني وتخلف خسائر تتجاوز ألف مليار سنويا.

ما يجب العمل به قانونا عند حصول مخالفات جولان تنم عن عدم مطابقة طاقة الشحن المسجلة بالبطاقة الرمادية والحمولة الحقيقية، هو اتخاذ الإجراءات القانونية الردعية وإعلام السلط المختصة والإخلال الكبير في هذا الصدد هو ان معلوم الجولان المدفوع لدى القباضات المالية يطبق على حمولة 18 طنا ومادون ذلك في حين تتجول الحمولة الفعلية ب40الى 60 طن وهنا نلاحظ ان معلوم الجولان المدفوع هو معلوم جزئي لا يغطي كامل الحمولة حيث ان المتجاوز منها يتجول بصفة مجانية وتخسر ميزانية الدولة سنويا مئات المليارات من جراء عدم قدرة المنظومة على تغطية هاته الموارد وهو ما يفتح المجال للخلاص خارج الأطر القانونية من سلوكيات مشبوهة على الطرقات.

كل هذا جراء العمل بحزم القوانين غير الملائمة لتطور الاقتصاد والتكنولوجيا ومستلزمات العصر الحديث في نقل متطور اقتصادي وخالق للثروة.

مع الإشارة إلى أن شبهة التلاعب في قوانين القطاع تعود إلى عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي وتتواصل الآثار الكارثية إلى يومنا هذا مع تكتم جل المصالح المتدخلة على هذه الجريمة في المصلحة العليا للوطن.

بالتالي وبالتمعن فالحل في خيارين لا ثالث لهما:

– الحل الأول: تطبيق قانون 18 طنا بصرامة وعدم السماح لأي شاحنة تونسية كانت موردة او مصنعة محليا وكذلك أي شاحنة زائرة بالجولان بالطرقات التونسية ويعني ذلك منع شاحنات الجارتين ليبيا والجزائر من المرور ( transit ) او الشحن ( chargement ) في كل مرة تتجاوز حمولتها 18 طنا مع العلم أن متوسط حمولة هاته الشاحنات هو من 60 إلى 120 طن متجاوزا بذلك القانون التونسي للنقل البري للبضائع، فإذا ما وقع التطبيق سيؤدي حتما إلى قطع السلوكات المشبوهة في التمعش على شبكة الطرقات، ولكن من جهة أخرى سيكبل ذلك عجلة الاقتصاد ويكبد الشركات الخاصة والعامة وبالتالي ميزانية الدولة تكاليف نقل باهظة باعتبار سقف الحمولة الضيق للشاحنات الثقيلة ذات طاقة حصانية من 400 إلى 550 ح/ح وخزانات وقود ب1000 لتر وطاقة جر تصل إلى 120 طنا فهل من جواب مقنع في القانون التونسي؟

– الحل الثاني: مراجعة قانون النقل لرفع الحمولة من حمولة نظرية ب 18 طنا إلى حمولة تطبيقية حسب طاقة العربة من 20 إلى 100طن مع تحيين معاليم الجولان لتصبح في تناغم مع طاقة الشحن.

هذا الاجراء سيمكن إضافة إلى القضاء على السلوكات المشبوهة المذكورة آنفا إلى الرجوع على ميزانية الدولة بمنافع جمة نتيجة الترفيع في معاليم الجولان وستمكن هذه المراجعة أيضا من جولان الشاحنات الثقيلة للجارتين في كنف القانون والمساواة مع الشاحنات التونسية.

ثالثا: مقترح لإقامة عملية إحصائية لتجاوزات الحمولة الحاصلة بالطرقات التونسية فإذا تم على سبيل المثال تركيز حاجز طرقي ليقع تفقد حمولة الشاحنات المباشرة لنشاطها على مسافة 10 كلم فالنتيجة المنتظرة ستكون حتما 100 % من الشاحنات التي وقع فحصها على أرض الواقع في وضع مخالف كالآتي:

– شاحنات تونسية من 40 إلى 60 طنا.

– شاحنات ليبية من 60 إلى 120 طنا.

– شاحنات جزائرية من 60 إلى 120 طنا.

انّ نداءنا إلى سيادة رئيس الجمهورية بتركيز هيئة وطنية مكونة من. خبراء ومهندسين ذوي اختصاص وتشريك أهل المهنة وممثلين عن الشركات الخاصة والعمومية الناشطة في القطاع ذات تجربة لا تقل عن اربعة عقود لإعداد دراسة تقييمية حول اضرار الطرقات والوصول للسبب الحقيقي والعلمي وراء ذلك، على ان يكون هذا التقرير موجها كذلك للعموم.

وحسب تجربة المجمع سيخلص إلى الحقيقة الصادمة وغير المتوقعة ألا وهي أن كون الشاحنات الثقيلة هي المتسبب الرئيسي في هاته العيوب هو إدعاء باطل يقع تأكيده بتقارير أهل الاختصاص ونفسح المجال للاختبار للوصول إلى الحقيقة التي تحصل عليها المجمع سابقا من منطلق سنوات خبرة على الميدان.

الحقيقة ببساطة هي أن تطبيق قانون الحمولة ( 18 طنا ) يرمي حتما بمنظومة النقل البري إلى الإفلاس وكل الإدارات المعنية بوزارات الإشراف المتدخلة من تجارة، ونقل، ومالية وداخلية على علم بهذا الخور الذي يبدأ من توريد آليات فوق سقف الحمولة إلى اعتماد معاليم جولان جزئية لا تتطابق مع الحمولة الحقيقية.

 نختم رؤية المجمع في هذا الصدد بثلاثة تساؤلات كبرى تصحبها إجابة صادمة:

1- هل أن طاقة الاستيعاب والشحن ب18 طنا هي معيار علمي يتلاءم مع حاجيات الاقتصاد الوطني؟

حيث ان عائدات النقل ب18 طنا لا تكفي حتى لتغطية كلفة المحروقات المستهلكة من جرار طرقي (محرك ذو 450-550ح-ح) الناقل للحمولة ونؤكد هنا أن مصالح وزارة النقل في دراية تقنية ثابتة بأن القاعدة في كلفة النقل البري هي ان 50 % منها تذهب للمحروقات، إذن هل يعقل أن شاحنة ثقيلة موردة بالعملة الصعبة تصل تكلفتها إلى 650 الف دينار ويُمْلؤ خزّانها يوميا بما يقدر بتسع مئة دينار (900 دينار) أو ما يزيد من القازوال (gasoil)ستتمكن من خلاص اعبائها والخروج بفائدة على الاقتصاد الوطني حين تطبيق معادلة وزارة النقل بحمولة 18 طنا؟.

2- هل أن وزارتي النقل والداخلية على استعداد لتطبيق حريص وسليم لسقف الحمولة على ناقل البضائع التونسي والأجنبي على حد السواء؟

وفي تطبيق هاته المعادلة تضيع مقدرات الاقتصاد التونسي في خلق الثروة عبر قطاع النقل، فلم الضحك على الذقون؟ بزج الناقل التونسي للبضائع في مضيق تجاوز القانون أي تجاوز سقف حمولة 18 طنا التي هي أكبر مغالطة من قبل الإدارة للشعب التونسي ولسيادة رئيس الدولة.

3- هل أن وزارة المالية على إستعداد لمواصلة التضحية بموارد جولان جد هامة لا تستخلص للدولة بل تُنهب على الطرقات بصيغ مشبوهة ويعكر ذلك ما يحصل من كر وفر لكشف تجاوزات الحمولة (TEST PONT BASCULE) وبالتالي إضاعة الأوقات والتخلّف عن مواعيد التسليم بالموانئ ومختلف نقاط الإستقبال؟.

الجواب مسبق وجَليٌّ، وهو أنه دون توفر إرادة حقيقية للإصلاح بإشراك أبناء القطاع لن يكون هناك أي امل في النهوض بقطاع النقل البري للبضائع، وسيسير حتما إلى الإفلاس في ظل منظومات قانونية عاجرة عن خلق الثروة ومتعددة الثغرات جعلت هذا القطاع يعيش أكبر أكذوبة في البلاد التونسية.

ندعو إذن سيادة رئيس الجمهورية لفتح تحقيق ومحضر بحث قضائي للتقصي في هذه المغالطات والحفاظ على حق الشعب التونسي في نقل بضائع متطور ومفيد لعجلة الاقتصاد الوطني، يقطع مع السلوكات المشبوهة للتنقيص من مداخيل وإيرادات معاليم الجولان وبالتفصي من تطبيق القانون العملي نابع من المهنة.

وفي الختام نؤكد لسيادته أن تونس اليوم بأمس الحاجة لمن ينأى بالمؤسسات الاقتصادية المواطنة عما تتعرض له من استهزاء وضحك على الذقون، بمسؤولين وبإدارة تطبق قوانين غير ناجعة ولا جدوى منها تضرب عرض الحائط بقطاع إستراتيجي مهمّ، هو بمثابة حجر الأساس في كل الدول العالم المراهنة على مزيد النهوض والرقي بشعوبها. 

الحبيب السبري

رئيس مجمع السبري